قلم ونظّارة… و«شوية» قهوة وتبغ ووجه أمـّي!

العدد: 9501

الاثنين 6-1-2020

قد تكون (الشَفّةُ الأولى) فاتحةَ تعبِ يومٍ، ومعاناةَ رسالةٍ وواجب…
وإن كنتَ قد عقلتَ بعد خطأ، وهجرتَ (السيجارة اللعينة)، فإنك كسبتَ ما تبقّى من عمرك، أما إن سبقتكَ رائحةُ دخّانكَ إلى مكتبكَ فمن الطبيعي أن (تعصّب) إن تأخّر فنجانُ القوة!
أنتَ… أنا، وأنتِ، قد تكون معاقرةُ الكلمةِ أصعبَ مهنة، وخاصة في هذا الزمن الذي لا يعرف ناسُه ماذا يريدون ولا عن ماذا يبحثون، يريدون ما هو غير متوفّر، وعندما يكون يصبح بلا قيمة!
هل سنعود إلى ما قبل أبجدية أوغاريت، وتصبح اللغة بيننا إيحاء وإشارة، ولغة الضاد التي تسامت وتسامقت حتى رافقت الروح في ارتقائها، أتُراها تقبل أن توضع على الرفّ بعد كلّ ما عاشته من ترفٍ، وما أغنت به البشرية من علوم وآداب وروائع؟
***
معجونٌ بالتعبِ مَن يفكّر أن يمشّط خصلات الشمس كلّ صباح، ومسكونٌ بألف عفريت من يتوقع أنّ الغزلَ ما زال عطر النساء، فكيلو حليب يعادل قارورة مسكٍ في هذا الزمن المزكوم!
***

كيف تقول، أو ماذا تقول، وكلّ فرد من أسرتك وضع في أذنيه سمّاعة هاتفه، ومضى إلى وحدته غير آبهٍ بمن حوله!
لمن سنقول ونسرد قصص كبرياء آبائنا وأجدادنا، وقد أصاب فلذات أكبادنا داء الفيس والواتس والتليغرام وغير ذلك من منصّات الإعدام الجماعية!
على أي شوقٍ ستميلُ، والمرآةُ التي اعتدتَ البوح لها محطّمةٌ، وتتباهى بما علقَ عليها من غبار؟
أي إنسان أنتَ، لم يعد الحزنُ يحرّك شعرةً تحت إبطكَ، ولم يعد الفرحُ قادراً على ترقيص هدبك!
***

يا لتفاهة العقل حين يعتقد أنّ النملةَ بلا إحساس، أو أنّ الزهرة لا تتألم حين تداس، ويا لبشاعة ثديّ يعتقد أن تكوّره في الصدر مجرّد زينة، فرضعَ جيلٌ بأكمله حليباً مجففاً من الصيدليات!
***

قالت لي بغنجٍ ودلال: راتبي أصبح ستين ألفاً، وبيت العائلة مكتوب باسمي، وأنتَ شاب وسيم، لي فيك ما أحبّه، ولديك عندي ما ينقصكَ!
تلفّتُ حولي، لم يكن هناك إلا جرذ كبير قفزَ من حاويةٍ تضجّ بـ (وسخها)، فقلتُ لنفسي: فعلاً لكلّ مقام مقال…
***

أسندت ظهري إلى جبل، اعتقدت لوهلة أنّي أحميه من الانهيار، وكم راعني أنّ قمّته ما زالت بعيدة، فأشعلتُ لفافة تبغ عربي كنتُ قد جهّزتها بأصابع مرتجفة، وعدتُ لأتسلّق الجبل مغمض العينين، وإذ بي أتدحرج ناشراً خلفي دخاناً وخيبة وألماً…
***

عندما كنتُ صغيراً كنتُ أحلم أن أمتلك سيارة فخمة، أجلس خلف مقودها، وأتكئ بيساري على نافذتها، وأنا ألبس نظّارتي الشمسية السوداء، وكان يشغلني أمرٌ آخر، وهو أنّ الطريق إلى بيتنا بالكاد يتسع شخصين معاً، وكبرتُ، وتوسّعت الطريق، وأصبحت تتسع لسيارتين، وكساها الزفت حتى عتبة البيت، لكن يكون (الزير) خاله من يكفي نفسه لقمة كريمة تغنيه عن ذلّ السؤال . .
***

هل باستطاعتكَ أن تدلّني على فيلسوف كتب عن الورد ومزايا العبق ومعدته تنهش جوفها؟
أعرف أنّ الأمور ستعتدل ذات يوم، ههه… قبل أن أكمل تفاؤلي انقطعت الكهرباء!
***

في 29/8/ 1995، وفي العدد (6313) من جريدة تشرين الغالية على قلبي نشر الأستاذ الأديب حسن م. يوسف مقالاً بعنوان: (مصر في عيوننا فلمَ لا يرانا إعلامها) ويتحدث فيه عن تعاطي الإعلام المصري مع حرب تشرين وتجاهله لدور سورية في تلك الحرب المجيدة..
الأستاذ حسن م. يوسف: في مصر سيستقدمون الدفء من إسرائيل عبر أنابيب الغاز، ونحن في سورية نعيش الدفء الحقيقي مع صور شهدائنا وذكراهم الغالية، هل أتاك الجواب أستاذي الكبير؟
***
قلبان يسكنهما الشيطان… لم تعد الشمس تطرّز نبضاتهما، ولم تعد وشوشات الريح عند الأصيل تحرّك فيهما ولو أدنى شعور بالمسؤولية، أجمل ما في غنائهما يشبه نقيق الضفادع، لأنّ حبال الثقة تقطّعت بينهما، وجدار الأمان تهدّم فأهلكهما وأهلكَ بنيهما..
لا تستطيع أن تلوم أياً منهما، فكلاهما شريكان في الجريمة، وعلى الأفق خمس زهرات يتهددها الذبول، وبين صراخهما وعراكهما تشرّبت تلك الورود نزيفاً وضياعاً، وأحنت نحو اليأس جذوعها، وإن كان قلب الرجل يستطيع أن يقسو فكيف لقلب أم أن يفعل ذلك؟
سمعتُ صغيرها ذات يوم يقول: أمي حقيرة، ورغم اللفظة النابية إلا أنّ خدشها أشبه بوادٍ سحيق!
***

عندما تتذكّر وأنت بأمسّ الحاجة لقطعة حلوى، أنّ هناك (هبّول تين يابس) في مكان ما في بيتك، حضّر أكواب الفرح، واستحضر صوت صباح فخري و(على العقيق اجتمعنا..).
***

أحسُّ بجمرةٍ تغفو بشرياني، وبسربٍ من طيور جهنّم يحوم فوق دفاتري، وعلى مشارف كلّ أحاييني، ذُبحتُ بريشةٍ من زينة الجنح، وقُتلتُ برشفةٍ من قهوة الصبح، وتهتُ بصحوة الدرب، وتحت نباح أحزاني.
***

استهلكت فنجاني قهوة، ولم أستطع أن أعود من غربتي إليكِ، لكن أشكرها (الغربة) لأنها أقنعتني بكبير حاجتي إليكِ.
***

في آخر الوجع، وحين تخسر سفينتي كلّ أشرعتها، ويضرب الظلام حولها طوقاً من الدهشة والخوف، يأتيني عبر المسافات دعاؤك، إي ولدي، انتبه، فالريح بلا مشاعر، والقراصنة بلا قلب، وأنت يا ولدي مهيض الجناح، عدْ إلى حضني، لا تخجل، لن أخبر أبناءك أنك ما زلتَ ترتمي في حضني..
***

خرجت محبطة من حضرتي، كانت تتوقع أن أعرفها من أول إطلالة وهي التي تجذّرت بوجهها السنون عميقاً، إنها ثلاثون حولاً يا عزيزتي (ومن يعش ثلاثين حولاً يسأم)، ما أعرفه يا صديقة الأمس أنك كنتِ جميلة، وبإمكان خريفك أن يهديني راحة البال، فما زالت في (الحرّاجة) كمشةٌ من حنطة، وكثير من الآمال، فقط أطلقي رياحكِ، فالمطر والغلال والحبّ وعود الله فينا ولنا ولن تتأخّر.

غــانــم مــحــمــد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار