العدد: 9295
19-2-2019
كتاب (الشاعر ناقداً- المعري وابن الخطيب نموذجاً) لمؤلفه الأديب الدكتور فاروق اسليم، على درجة بمكانة من الأهمية بالقراءة والاعتماد عليه كمرجع في موضوع البحث والدراسات النقدية، ولضرورة وحاجة الأبحاث النقدية الهادفة إلى مثل هكذا أفكار إبداعية نقدية طرحها الدكتور اسليم واشبعها شرحاً وأغناها شواهد وأقوال، تصب في خدمة ما تطرق إليه موضوع البحث.
لقد تيسّر لي الاطلاع على هذا الكتاب وقراءته، والفضل يعود إلى مؤلفه –مشكوراً- بإرساله نسخة إليّ هدية.
جاء الكتاب في /120/ صفحة من القطع العادي، إصدار اتحاد الكتّاب العرب بدمشق، تضمن صفحات التمهيد فالقسم الأول الذي تحدث عن المعري ناقداً للشعر، سقط الزند نموذجاً فخاتمة ونتائج، ثم كان القسم الثاني –لسان الدين بن الخطيب ناقداً للشعر/ ديوانه نموذجاً، فخاتمة ونتائج، أخيراً عرض عناوين مصادر ومراجع الكتاب.
يقول الدكتور فاروق اسليم: بدأ ظهور الشاعر الناقد، بل الفائق شعراً ونقداً، عند العرب بأحمد بن عبد الله بن سليمان التنوخي، أبي العلاء المعري، ومن المعالم البارزة في نقد المعري للشعر شرحه لديوان المتنبي المسمى (معجز أحمد) ولديوان البحتري المسمى (عبث الوليد) إضافة إلى الآراء النقدية المهمة جداً التي بثها في (رسالة الغفران) وقد يكون من المهم الإشارة هنا إلى أن المعري قد صنع شرحاً لديوانه (سقط الزند) وسماءه (ضوء السقط)، إضافة إلى مقدمة نقدية للديوان الذي تضمن أيضاً كثيراً من الآراء النقدية شعراً.
وتابع القول: إذا ما كان أبو الطيب المتنبي هو الشاعر الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بشعره فإن أبا العلاء المعري ما يزال يشغل الناس بشعره ورسالته وشروحه للشعر على نحو منفتح على قراءات فكرية وفنية وجمالية تتعدد بواعثها، وتتنوع منطلقاتها ومناهجها، غير أنها تتبارى دائماً في التعبير عن الإعجاب بالمعري مبدعاً ومفكراً لا يجاريه أحد في زمانه، يجمع في قرن تمييزاً إبداعياً شعرياً ونقدياً وفكرياً، وفائقاً في تمثيله لثقافة الأمة على نحو مقاوم لكل ما يهدد أصالتها وقدرتها على تجديد ثقافتها.
إن اشتغال الشاعر العربي بنقد الشعر: شعره وشعر غيره، قديم في تراثنا العربي، ومن المؤكد أن المعري هو أبرز شاعر عربي قديم نتوقف عنده بوصفه شاعراً ناقداً.. إذ اجتمعت في شخصيته جوانب علمية مختلفة، وكانت حياته في معظمها مسيرة معرفة وتأمل مستمرين، عمقهما لديه توقد ذهني وذاكرة يقظة، فكان نقده للشعر تتويجاً وتجاوزاً لجهود من سبقه من الشعراء العرب.
ثم أضاف الباحث، لكن الزمن العربي الذي شهد مخاض ولادة طويل قبل أن ينجب المعري بصفته ناقداً وشاعراً، عاد إلى سيرته الأولى قبل أن ينجلي عن ولادة مبدع جديد ومهم في مجال الشعر ونقده، إضافة إلى ثقافته الموسوعية الواسعة، هو محمد بن عبد الله بن سعيد السلماني الشهير بلسان الدين بن الخطيب، فهو واحد من الأدباء والشعراء الفائقين، وكانت له منزلة خطيرة في عصره، سياسية وفكرية، وتأريخاً، وتصنيفاً وشعراً ونقداً.
وكان لسان الدين بن الخطيب من أسرة عرفت بالاشتغال بالسياسة، فكانوا يعرفون ببني الوزير، ولقب هو بذي الوزارتين: السيف والقلم، وبذي العمرين لاشتغاله بالتصنيف في ليله، وبتدبير المملكة في نهاره، وقد ترك أكثر من خمسين كتاباً في صنوف من العلوم وإبداع الشعر ونقده.
وختم المؤلف اسليم حديثه في فقرة (توجهات الدراسة) في مقدمة الكتاب قائلاً: ثمة مشترك بين المعري وابن الخطيب، فالمعري بسط في ديوانه (سقط الزند) كثيراً من الآراء النقدية للشعر شعراً، كما أنه صنع للسقط مقدمة نقدية، وخص كثيراً من نصوصه بمقدمات تسهم في إضاءتها ونقدها إضافة إلى أن طبيعة الإبداع الشعري في السقط غنائية، ونجد مثل ذلك في ديوان لسان الدين بن الخطيب مع ملاحظة أن كليهما قد أخضع ديوانه للتهذيب، وأنه ضمنه نتاج عشرات السنوات من الإبداع الشعري.
هذه الدراسة في هذا الكتاب موضوع القراءة الذي بين أيدينا يقتصر عمل الشاعرين على قراءة هذين الديوانين، لهذين العلمين البارزين في التراث العربي، وهما ينتميان إلى بيئتين مختلفتين: الشرق (الشام) و الغرب( الأندلس والمغرب) وإلى زمنين متباعدين.
قراءة نقد كل من المعري وابن الخطيب للشعر وفق توجه هذه الدراسة ستسهم جيداً في إبراز رؤية كل منهما للإبداع الشعري ولوظيفته، ولمدى مطابقة وجهات النظر النقدية عند كل منهما لحقيقة إبداعه الشعري.
بسام نوفل هيفا