يا أحـلى الذكــريات… نصيحـــة مجـــرّب فهـــل من ينتصــــح؟

العـــــدد 9495

الإثنـــــين 23 كانـــون الأول 2019

 

نفتح الدفاتر القديمة ونقلب أوراق الأيام، في ألبوم صور ذكريات يوم الزفاف، التي انطبعت على صفيحة ذاكرتنا ولصقت على جدرانها بملفات وبرامج بدون معالج أو تشفير، صور تراكمت في مكتباتنا بلا برواز أو إطار، نستحضرها ونستعرضها بالصورة والصوت الذي يرتفع أحياناً بالضحك أو الصراخ والبكاء عند مشاهدة اللحظات المميزة الجميلة أو المواقف المثيرة المفخخة بالعثرات والمطبات حيث ارتفع فيها الضغط الهيدروليكي، وأدركنا الوقت ولم نعد نلحق أن نفرمل في تجربتنا الحياتية والمرورية ولا نستطيع لها رداً ونقف مكتوفي الأيدي أمام حادث يجيش فينا السخرية أو الغضب.
نتذكرها اليوم وكأنه الأمس بحلوه ومرّه يمر كشريط فيلم سينمائي بكل أضوائه ومشاهده نحن إليه ونستطيب بفرح وطرب ونشتاق، فقد عددنا أياماً وسنوات، وكلما فتحنا الباب عليها نعود لنفس الحالة (يا خالة).

* جهاد متوج، موظف يقول: زوجتي وأم أولادي الثلاثة هي اليوم منذ أكثر من خمس سنوات في يوم زفافنا تأخرت كثيراً عند الكوافيرة، وكانت قد حضرت إلى صالونها منذ الصباح، وأنا أنتظرها خارجاً بفارغ الصبر في السيارة على الباب، وكانت قد خرجت مع عروس أخرى بفستانها الأبيض والألوان تكسوها وتغزوها ووجهها خربشات، وهي وقفت تنظر إلي وتشدني بنظراتها لكني توجست وقلت في نفسي (هية مو هية)، وخفت أن أقترب فأخطئ وتكون عاقبتي وخيمة، لم أعرفها فهي نادراً ما كانت تضع الماكياج وبالخفيف جداً ولهذا أحببتها على طبيعتها البريئة الطفولية التي لا تعرف الكذب ولا تحسن الرياء، إلى أن نادتني فهرعت لملاقاتها فكان منها الجفاء ورجعت إلى داخل الصالون وغسلت وجهها وجميعهن يصرخن بها ويتلفظن بكلمات وعبارات اللوم، ومسحت ماكياجها جيداً ووضعت بيدها بعض الظلال الخفيفة وخرجنا دون كلام، ونحن في الكوشة عقدت جبينها وجميع صورها تتكشف فيها عبوستها، ولا أظن أن الذنب ذنبي، وإلى اليوم تتذكر الأمر كل حين وتوبخني وحتى أنها تتذمر وتعيد عبوسها من جديد، ومن يومها أصبحت تضع المساحيق وتتلون وحقاً أعرفها وبت أميزها بين مئة امرأة، فلم أعد ذاك الشاب أو هي تلك الفتاة.
* محمد وهبة، تزوجا منذ أربع سنوات وذكرياتهما لذاك اليوم لا تنسى، يجتمعان في قولهما: كانت التحضيرات والاستعدادات قد تمت على أكمل وجه وبالصورة التي حلمنا بها، وبعد برهة من الفرح والابتهاج طبول وزمامير لوصولنا سالمين وإلى الكوشة قد وصلنا وجلسنا بين الزهور، وأمام أنظار (المعازيم) فجأة تلبدت الأجواء بالمعكرات والأصوات ترتفع بالصراخ والشتائم، لتختفي الابتسامات وينقسم الضيوف إلى طرفين ويشتد العراك ليخلف وراءه المأساة، فبدل أن نكون في بيت الزوجية المتوج بالهناء والورود، كان كل منا في سرير بالمشفى لمدة أسبوع وعدنا لبيوت أهالينا باختلاف لمدة تجاوزت ستة أشهر إلى من جاء وفض الحنق والخنق عنا وأصلح ذات الطرفين، لنعود إلى بيتنا دون زفة أو حتى عزومة غداء، وكلما اجتمعت عائلاتنا مع بعضهما عندنا أو أي مكان يتذكرون ويقولون (قلة عقل، الله يلعن الشيطان).
* سوزان تروي حكايتها وكأنها في المنام (كابوس) تقول: حلم كل فتاة هو الفستان الأبيض والعرس كما في الأساطير والأحلام، لكن انطفأ ضوء حلمي بتغير أحداث اليوم مع تغير حالة الجو من مشمس إلى غائم ممطر ورياح اشتدت لتقلع أوتاد الزينة وجذور الورود، وتنتقل ترتيبات العرس إلى الصالة الشتوية للمطعم، وكنت عند الكوافير عندما اتصلت أختي لتخبرني بالأمر وقلت (خير وأمطار) وفي طريقنا للمطعم تعطّلت سيارة العروس المزركشة بالعطور فاستعذت من الشيطان الرجيم، ووقفنا في الطريق لأكثر من ساعة منتظرين قدوم سيارة أخرى، ووصلنا والحمد لله إلى الصالة التي كانت خانقة بـ (المعازيم، الواقف أكتر من القاعد) الصالة ضيقة والجو هائج في الخارج ولا يمكننا توسيع المكان وفك الجدران، وبذلك خسرنا معظم الأصدقاء بانفكاكهم من العرس ورحيلهم دون تهنئة أو وداع، فكان أن انتهى العرس باكراً ولم يطلع الصبح كما في ألف ليلة وليلة، وكلّما أتذكر يأتيني البكاء فيضحك زوجي ويقول (رجلك خضرا).
* نهلة، مهندسة أشارت إلى أنها تتذكر ذاك اليوم خير ذكرى مع الأم والحماة، وكلما جاءت على ذكر ذاك اليوم حين عودتهما من عرس كانا يحضرانه، وهما من المعازيم ترتد عليهما الصور ويشتد التوتر في نفسيهما ويرتفع الصوت ليتراشقا بعض الكلمات من السباب، وفي خفايا النفس فيلم وثائقي وصور عن العرس
وما جرى فيه وكان من عراك الأم والحماة باللسان وقصف بالكلام حتى انفجر له المكان، وكل منهما تشتد لصفها ولعائلتها الكريمة ذات الصيت والمكانة الاجتماعية ليكون لها (الزغاليط والأناشيد والشبوش وقرع الطبول لبيت فلان)، وقد تأججت ساحة الدبكة بين العائلتين على رقص ودبكة نكاية ببعضهما، تقول: ولم نصدق أن هدأنا من روعهما.
* شادي معلا، موظف، يضحك ويشدو ويشير أن زوجته غاضبة منه إلى اليوم، وقد مرّ على يومهما ذاك أكثر من سبع وعشرين سنة، والجميل في الأمر أن المصور المغضوب عليه من قبل زوجتي قد اسودت عدسته وساء فيلمه وصوره الفوتوغرافية ولم تحظ إلا بالقليل منها مع فيديو، يقول: لا يمكن أبداً امتلاك يوم مميز دون منغصات وعراقيل تكمش ببدلة عرسك وتخنق عليك بربطة عنقك لتدق فرحتك، لم يكن لدينا مثل شباب اليوم الموبايلات وكاميراتها التي تنشر صوراً بعلم العروسين أو دون دراية منهما لتغص شاشات التواصل الاجتماعي على الفيس والنت، فتجدين صورهم وصور معازيمهم بكل تفاصيلهم ولباسهم وعلى طاولات الطعام بأصنافه، وفي ساحة الرقص حتى يخيل لك أنك معهم ومن المعازيم، وأظنها لحظات خاصة جداً لا يمكن الإعلان عنها لغير الأقارب والأصحاب المدعوين، فقد نظهر الأخطاء والعثرات كما في المسلسلات والأفلام التي كانوا يعرضونها لنا في التلفاز، لتبدأ السخرية والتقاط مشاعر الناس و(لايكاتهم) فهل يرتاحون؟.

هدى سلوم- معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار