العدد: 9484
الأحد: 8-12-2019
لم تعد تلك الدجاجة التي تبيض ذهباً، صحّت المقولة سابقاً عندما افترس قرار وزارة النقل منذ عقدين ونيّف ولده وباع التوكيلات للملاحات الخاصة، المشهد اليوم ينسحب بهزلية راديكالية حسب التقارير الصادرة إلى الوكالات فيما بينها، منافسة تأكل فيها الحيتان الكبيرة صغار السمك ممن تغمز له صنارة السوق فيشد الخيط ويسحب رزقه ويضحك له الحظ بالتوكل عن سفن تجارية تؤمّ أحد المرفأين حيث مئات الوكالات تنتظر كثعالب ماكرة حصة قد تكون من نصيبها، (أنا وأخي ع ابن عمي وأنا وابن عمي ع الغريب)، صدقت يا جحا!
وكأي مهنة أخرى، التجارة مهارة، واصطياد الزبائن شطارة، و(مين يشيل) مثل متعهدي (الشنط) الذين عهدناهم يقفون على أبواب الشركات يسمسرون مقابل انسحابهم من المناقصات على معلوم مالي بالنسبة لهم و(فتات) بالنسبة لأولئك الكبار يدخل ضمن ملحقات منظومة جوائز الترضية (الإكراميات) التي يرشّونها هنا وهناك إكراماً للفوز بالتزكية!
في وقت تلتفت الحكومة بكليتها لتنتشل الاستهلاكية بالمفرق والتجزئة من موت محقق فتحيي عظام مخازنها ومستودعاتها وهي رميم، تنجح العملية ويموت المريض، يتحقق الدمج، تولد السورية للتجارة ويلمع نجمها وتستحوذ على ما (قوسم) لها من حصة السوق لكنّها تُمنى بالخسارة.
إذاً الغاية تجارية وغير مسموح لها إلّا أن تكون ربحية، والشيء بالشيء يقاس، منذ عقدين ونيف، كانت هناك شركة توكيلات عامة، وكانت رابحة تدرّ الليرة والدولار، في فلكها سبحت وكالات الظل، عملت وربحت رغم أنّها لم تكن مرخصّة، وعاش الجميع في سبات ونبات حتى جاء اليوم الموعود، قلب المجن على الشركة وتبادلت مع وكالات الظل الأدوار، صارت تلك إلى العلن وهي اختبأت في العتمة وراء قرارات تعليمات تفسيرية، فسّرت الماء بعد الجهد بالماء.
عودة شركة التوكيلات إلى الواجهة اليوم في هذا الظرف الحالك هو الخلطة السحرية التي تنقذ البلد! من دون مبالغة، خلطة وصفها رئيس نقابة عمّال النقل البحري في اللاذقية وقد قال لي ذلك ذات حديث أن تلك الخلطة كفيلة وحدها بدفع رواتب موظفي القطاع العام، فيما لو أعيدت أمجاد التوكيلات الملاحية كسابق عهدها، لم تكن الليرة ضالة الشركة بل الدولار، تقدر أرباحها الصافية به، وعلى ما يبدو يبحر الخير بعيداً هذه الأيّام عن (التواكيل) عموماً! الخسارة تطال ستين وكالة مرخصة ليست
التوكيلات الملاحية واحدة منها، هي واحدة من ٧٤ وكالة عاملة ومرخّصة في السوق، وحصتها من السفن الواردة تعادل العشر تقريباً، ١٨٢ توكيلاً فقط من ١١٨٢، تقول التقارير المتداولة: ١٤ وكالة رابحة قيست ربحيتها من عدد السفن بتوكيلها، 20سفينة تفرغ أربعين ألف طن.
1000 سفينة، متنازع على توكّلها، خمس عقلت فتوكلت أكثر من 90 سفينة سنوياً، ثلاثة من 60-90 سفينة، وكالة واحدة من 30-60 سفينة، وخمس 20-30 سفينة، ولا تدخل في الميزان من توكلت 10-20 سفينة فما وبعضها توكل بخمس فقط و٢٩ وكالة خرجت صفر اليدين، والأرقام السابقة ليست مقياساً، للخط البياني الذي سترسمه تلك الوكالات في السوق لاحقاً، فمن لم تتوكل بأي سفينة لا يعني أنّها لن تسمسر على بعض السفن من فهلوية (اللي بيحب النبي يخلي) عصفور باليد ولا عشرة على الشجرة، تنازل لتواكيل من وكالات صغيرة لكبيرة مقابل مقطوعية تبقي الأولى في قيد العمل، وليس بالضرورة أن يشهد قطاع التوكيل إفلاساً شبه جماعي، العام القادم يطال الستين الخاسرة، هي لعبة أرقام ومباراة بأشواط، ويبقى للبحر أسياده الذين يوكلهم بأمره، ويسلمهم أشرعته.
خديجة معلا