العدد: 9483
الخميس:5-12-2019
قبض عشرة آلاف ليرة سورية زيادة على راتبه الشهري.. ليرة تنطح ليرة،
أربعون ألفاً أجرة البيت الذي يسكنه أولا ثم الفواتير الأخرى…
لماذا لا تسكن في غرفة طالما أنك تعيش وحيداً؟ سؤال طرحه عليه صديقه الوحيد أيضاً الذي يملك بيتاً واسعاً وشرفة تعيد بناء الروح التائهة أمام إطلالة بحر لا ينام ..
ردد ما قاله صديقه وهو يقبض راتبه كاملاً دون أن يترك ليرة واحدة له، شعر بالسعادة سعادة قطة وقفت عند قدميه، نظرت إليه وهي تموء بعينين جائعتين تطلب مما يأكل، قدم لها نصف سندويشة الفلافل التي اشتراها للتو, وقد زاد سعرها ضعفاً بسبب الزيادة لا بسبب ارتفاع الدولار، فالفلافل ملفوفة بخبز ما يزال مدعوماً, والربطة منه بخمسين ليرة وهي ثمانية أرغفة، هي أرخص من الفجل أيام زمان.
حبات الفلافل من حمَص بلادنا، لكن الزيت الملعون الكافر الذي يعانده صانع الفلافل، لا يرميه بعد عدة استخدامات, بل يعيد ترميمه بزيادة متواضعة كل حين، الزيت اليوم مختبئ، مخفيّ لأن سعره زاد, وزاد معه الخوف من كبسة مفاجئة لعناصر التموين..
شرائح البندورة والخيار إنتاج محلي بحت، قد لا تخضع لضرائب بل لصراع طويل الأمد بين مزارع وتاجر.
المهم أن القطة الملعونة رفضت طعم الفلافل, ولا حتى الخبزة التي حرَم رميها, والاقلال من شأنها شرعاً على الأقل يجب رفعها فوق الرأس قبل رميها, وبعد القبلة, والحمد على النعم تتركها لقط آخر، لعابر سبيل جائع مثلها, أو لعصفور لا يرفس النعمة الطرية, أو لجاره البطل في إعادة التدوير, والتجميع للعلب الفارغة, والبلاستيك لبيعهم من جديد..
أن تسكن في غرفة, أو تشارك تعيساً مثلك في سكن متواضع فكرة هامة لكن الأفضل أن تحمل صرة ملابسك, وتنام على مقعد في حديقة الباسل, أو بجانب حاوية, ويمر الناس بك, وكأنك تلبس قبع إخفاء لا يرون, ولا يتأثرون حتى أولئك أصحاب الشأن في طرطوس..
تذكَر حين سقطت الأمطار المجنونة بغزارة ذاك المساء, وتحولت الشوارع إلى سيول, وأنهار .. كيف انتشر الأطفال حفاة في شارع هنانو الباريسي.. وسط المدينة, وشبه عراة يستجدون المارة المسرعين هاربين من عاصفة مفاجئة.. كانوا يقفون كأصنام يمدون أيديهم الغضة ببلاهة دون أن يتفوهوا بكلمة..
ملاحظة: يجب دفع المساعدة اليوم لمشرد أو متسول حسب صرف الليرة السورية أمام الدولار, وحسب قانون الغاب الذي نعيش.
سعاد سليمان