العدد: 9482
الأربعاء:4-12-2019
الأزمة نقدية مالية لكن حلها آخر نشاب يخرج من قوس المصرف المركزي!.
يظهر (الحاكم) حكمته ولا يخفي بحنكته (بخله)، تذرف الليرة الدموع، مئة عين تبكي، ولا ينزف الدولار من احتياطيه، لم يعد الحل مالياً أصبح مثل أي قضية تهريب أو جنحة جنائية، أصبح قضائياً، أمنياً..
ما وراء الأكمة أزمة، كم ستخفي الأيام القادمة من مفاجآت؟
سحب المركزي يده باسم الحكومة من التدخل في السوق وأعلن حالة تقشفية إسعافية بديلة عن فقدانه (تحويشة العمر) من دولارات، بعد أن أعتقد جازماً أن السوق ستغبها وأنّ مفعولها الرجعي سيعطي نتائج عكسية بتغذيتها المضاربة وتجديد دورة الحياة فيها إلى ما لا نهاية.
ينفد الاحتياطي قبل أن تمتلئ الأكياس التي يحملها المضاربون على أكتافهم وإن ثقل وزرها على كواهلهم انتعشت على مصائبنا، كذبابة الجُعل التي تتغذى على الجيٓف ولا يروق لها من الماء الزلال.
قصرت الحكومة يدها عن أي تدخل ولم تقصر يد المضاربين عن البيع والشراء فازداد السوء سوءاً وكثرت الكوابيس تحت وسادة الأمان التي كنا ننام عليها، مقابل حالات أمان مالي مفرط بقينا نحياه سنين خلت. كنا ننتقدها ولم نكن راضين، عدنا إلى رشدنا لنقول لها اليوم: (عودي الى دورك الفاعل الذي سلبك إيّاه المضاربون).
الحالة الطبيعية: إنتاج، تحويلات مغتربين، صادرات، محمولة على أكف الإنتاج، وكل ما عدا ذلك يكون تضخمياً واهياً تحركه سوق موازية تنشط فيها المضاربة، تنشأ من تلقاء نفسها، هي موجودة على الدوام لم تغب يوماً أو تتلاشى لكنّها تتماهى إلى حدودها القصوى مع اشتداد الأزمات وليست إلا ظلاً لأرنب تضاعف عدة مرات فبدا مارداً، سواء اعترفنا به أم ركلناه بقدمنا يدخل في حسابات الأرقام، جملة ومفرق، ويحشر أنفه في كل المتطلبات ويخلق مشكلة بينه وبين الليرة لأتفه الأسباب، الدولار اللعين يخبّأ تحت المخدة وفوق السقيفة ويكتنز ذهباً بدل الأصفر البرّاق، لا يخرج من وكره إلّا عند هزيان الليرة ولا يعود إلا وهي طريحة الفراش.
افتقدنا جلسات التدخل، لم يكن الخلل بها أو من خلالها على أي حال، كل ما يحدث ويقال من تكهنات عن تحولات الدولار هو نصف الحقيقة ونصفها الآخر سر غائر في بطون المضاربين.
الانتكاسة الحالية توحي أن الأمور متروكة حبالها على الغارب، حالة أشبه بتحرير الليرة ومن دون ضوابط، كمن يتركها تغرق في بحر هائج كلما حاولت النفاذ إلى السطح جثمت فوق صدرها المضاربات وأغرقتها من جديد!.
التوقعات الشعبية راهنت على الألف ليرة، (العوام) تفهّموا القصة أكثر من ساسة الاقتصاد، (عملتي قوتي) لم يكونوا يثقون بها والقناعة كاملة بعدم نجوعها، غريب كيف تنجح هكذا محاولات لدى غيرنا وتفشل لدينا، في عام ١٩٥٣٦٥ كانت على حافة الانهيار ذابت المؤسسات الصغيرة بالكبيرة، ضحّى المواطنون بمدخراتهم خلال فترة قياسية استطاع البلد المأزوم النجاة.
طيلة السنوات الماضية كانت اللعبة مدروسة جيداً، الدولار عصفور مربوط بيد (المركزي) يضخه في السوق ثم يستعيده من قنواته، لم يكن يعانده كان يعرف كيف يروضه، لكن ومع تصريحات وتقارير إعلامية تشير إلى خسارة المركزي جزءاً من احتياطيه بالعملة الصعبة “مقابل عدم المساس باحتياطي الذهب، صار المركزي يتحسس رأسه بعد أن سقطت قبعته التي اعتمر بها بالقطع الأجنبي، وهذا ما يفسر وقوفه موقف المتفرّج بعد أن قطع الدولار حاجز الـ٧٠٠ في سباق الألف ليرة!.
أدوات كثيرة كان بإمكانه استخدامها، عله أفلس الوسيلة، كم نتمنى لو أننا واهمون!
خديجة معلا