العدد: 9482
الأربعاء:4-12-2019
تتميّز كل قرى الساحل السوري تتميز بتلك الخضرة الفارقة عن بقاع الأرض بارتفاع جبلي يوحي بالهيبة القديمة لشعبها، هذا الشعب الذي ترى بصمات استثماره وتمسكه بهذه الأرض بطريقة عصية على الفهم تهبك الإحساس بجبروت إيمانه الصافي بتراثه العريق، تلك الأرض السورية الخالصة التي بقيت لغزاً لم يفهمه أعداء الإنسانية حين سكبت روح الفداء والتضحية في قلوب أبنائها وبقيت شامخة بقمم جبالها تعلم أرذال الأرض معنى محبة الأوطان، من هذه القرى (بيت شيحان) على إحدى ضفاف نهر الغمقة ليعطيها ذلك فوق تربعها على قمة جبلية مزيداً من صفات التفرد والجمال التي تلاحظها بكثرة المقاصف على جانبي الطريق الواصل إليها، ما يربو عن المائة منزل مبنية بإيمان لمزارعين نقشوا كرمهم على واجهاتها، يبلغون أكثر من ألف نسمة بنسبة أمية تبلغ الصفر تماماً (حتى لأكبر معمري القرية) وبنسبة عالية من حملة الشهادات العليا لشبابها، مستوى الخدمات الموجود في القرية يعتبر جيداً لوجود مدرسة ابتدائية وشبكات مياه الشرب و الهواتف الأرضية (كانت هوائية حتى وقت قصير) إضافة لحاويات القمامة الحضارية وبأعداد كافية مع جرار يقوم بجمع النفايات يومياً وتتبع تنظيميا لبلدية النقيب.
حفر فنية.. عطور نفاذة
كل ما نقلناه لكم عن هذه القرية هي صورة حقيقية لما رأيناه بأم العين وقد يكون لساننا قد خاننا أيضاً في وصف تلك الميزات والروائع الطبيعية، ولكننا لن نستطيع مهما بلغت فصاحتنا توصيف قوة تلك الروائح (الشنيعة) المنتشرة بفواح مركّز رغم كل الكلام الذي ورد في الشكوى المقدمة إلينا من الأهالي وعدة اتصالات تلفونية بعدها شرحت لنا الوضع لكننا لم نتوقع أن تكون الأمور بهذه الدرجة من الكارثية فعلاً، فالروائح تعدت مرحلة إزكام الأنوف إلى درجة الالتصاق بالملابس والجلد من شدة تركيزها، بجولة قصيرة في شوارع وأزقة القرية وحتى داخل البيوت اكتشفنا حجم المعاناة الفتاكة للأهالي الذين قام بعضهم بسد (بلاعات) بيوتهم بالأكياس البلاستيكية تجنباً للروائح في داخل البيوت أيضاً، ولكي تكتمل المعاناة فإن ما رأيناه من أسراب طيارة هي أكبر من أن تسمى بعوضا بحجمها (المدلل)، أما حالات الإسهال والإنتانات للرضع فحدث ولا حرج و كل ذلك هو نتيجة حتمية لتلك الحفر الفنية التي لم تعد تستوعب كميات إضافية من المياه الآسنة (المجارير) بعد أن تشبعت تربتها وباتت غير قادرة على امتصاص المزيد بعد سنوات من اعتماد الأهالي عليها كحل إسعافي إجباري في ظل عدم وجود شبكة صرف صحي ففاض ماؤها (العذب) مشكلاً خريطة سواقي وبرك من أقذر ما يكون.
بلدية النقيب
المهندس ظهير سرور رئيس بلدية النقيب وبعد أن نقلنا له امتنان أهالي القرية لكل ما قدم من خدمات كحاويات القمامة وانتظام مرور الجرار باشرنا بطرح المشكلة، شرح لنا باستفاضة وضع القرية المزري المتمثل بفيضان الحفر الفنية والتي يتعذر على صهريج (الشفط ) الخاص بالبلدية إفراغها بسبب ضيق الأزقة التي تحول دون تمكنه من الوصول إليها كما أنها بدائية وغير مزودة بمخارج للشفط أساساً وهذا بالمطلق لا يعتبر حلاً وإنما مجرد إجراء إسعافي مضطرون للجوء إليه في ظل ظروف كهذه ناهيك عن تكلفته المادية على المواطن حيث تبلغ تكلفة شفط هذه الحفر 5000 خمسة آلاف ليرة وقد يحتاج المواطن لأكثر من إفراغ كل شهر وهذا يشكل عبئاً مادياً شديداً لا يقدر معظم الأهالي على تحمله، حين طلبنا منه أن يطلعنا عن الخطوات التي اتخذها كرئيس بلدية وعليه تقع مسؤولية حل المشكلة قطعيا بإنشاء شبكة صرف صحي فوجئنا بأنه يوافقنا تماما على ضرورة إنشائها لا بل أنه أخرج لنا أوراقه وأطلعنا على دراسة جاهزة أعدها منذ عام برقم 400/ص تاريخ 7/5/2018 تتضمن مخططاً هندسياً طبوغرافياً لامتداد المشروع بالطول ويبلغ 2،5 كيلو متر والقطر المطلوب للقساطل والتكلفة المالية المقدرة ب 51009084 واحد وخمسون مليوناً وتسعة آلاف وأربع وثمانون ليرة سورية وقد دققت وتم الموافقة عليها أصولاً من قبل مديرية الخدمات الفنية بطرطوس وحملت الرقم 7467/ص/ف تاريخ 6/9/2018 وقبل أن نبادر بالسؤال: أين المشكلة إذاً؟ كان الجواب في ورقتين زودنا بهما واللتان أوقفتا العمل بهذا المشروع، وهما كما كتب في الأعلى (محضر اجتماع لجنة الهندسة الصحية) في محافظة طرطوس ومن هنا يبدأ العجب.
الحل طار
برئاسة عضو المكتب التنفيذي المختص المهندس جابر حسن وعضوية 1- مدير المؤسسة العامة لمياه الشرب 2 – مدير الموارد المائية 3 – مدير الشركة العامة للصرف الصحي 4 – مدير البيئة، مع عضوية رئيس المكتب الفني الاستشاري في الأمانة العامة ورئيس بلدية النقيب، عقدت لجنة الهندسة الصحية المشكلة بالقرار رقم /13949/ الصادر عن السيد المحافظ اجتماعها يوم الأربعاء 31/7/2019 وبعد الإطلاع على كتاب مجلس بلدة النقيب المتضمن بيان الرأي بخصوص تنفيذ مشاريع صرف صحي ضمن قطاع البلدة وبعد إجراء الكشف الحسي تبين الآتي: (سنختصر هنا 1 – 2 – 3) وقضيتنا في البند الرابع وردت 4 – مشروع الصرف الصحي في قرية بيت شيحان بطول 2،5 كم ويخدم حوالي 1100 نسمة وينتهي إلى مصب قائم (موجود بالفعل) في قرية بزاق، وبعد المناقشة والمداولة توصلت اللجنة إلى المقترح: في البند 3 – التريث في تنفيذ وصلات الصرف الصحي المنتهية إلى مصب قائم في قرية بزاق المنتهي إلى نهر الغمقة لحين إقامة محطات المعالجة المقررة ضمن حوض نهر الغمقة وذلك لمنع زيادة حمولات التلوث المرتفعة أصلاً في نهر الغمقة، ترفع اللجنة محضرها إلى السيد المحافظ رجاء الاطلاع والنظر بالتصديق. بعد قراءة هذا المحضر لم يكن أمامنا سوى التحقق من آراء كل هؤلاء الأعضاء المدراء (ما شاء الله) لمعرفة هل هم مقتنعون بالمبررات الواردة في هذا المحضر وهل فعلاً وجدوا أن التريث هو الحل الأمثل للموضوع والأهم من ذلك كله هل باشروا بإقامة محطات المعالجة المخطط لها كما ادعوا ؟ وقبل ذلك…
كشف حسي
من المؤلم جداً أن هذه اللجنة (الموقرة) بقدها وقديد مديريها حين اجتمعت ورد في محضر اجتماعها جملة – بعد الكشف الحسي- ونستفهم هنا عن ماهية كشفها الحسي الذي تدعيه ومتى حصل هذا الكشف الميمون وفي أي موقع؟ في القرية ذاتها (بيت شيحان) التي نتكلم عنها مثلاً؟ وللتأكيد نوجه لهم بعض التساؤلات الحسية بالمطلق، هل رأيتم تلك السواقي الرهيبة من الصرف الصحي بأعينكم (كحاسة رؤية)؟ هل اشتممتم تلك الرائحة في القرية بكشفكم الحسي (بالأنف) وهو من أعضاء الحواس أيضا؟ مع من تكلمتم من الأهالي بلسانكم وكم حفرة فنية عاينتم؟ هذه التساؤلات ليست من بنات أفكارنا أبدا إنما هي أول ما خطر على بال شباب القرية وردوا علينا بها حين أطلعناهم للمرة الأولى على محضر اجتماعكم العظيم لابل يتحدون بقوة أن تكون أرجل واحد منكم أو حتى (عجلات سيارته) وطئت المكان أصلا سواء منكم أم من تلك اللجنة الفرعية التي ادعيتم إرسالها، ويتساءلون لماذا أخفي المحضر عنهم رغم المحاولات الشديدة للاطلاع على مجريات شكاويهم المستمرة بهذا الخصوص وتم تسويف الأمر لهم مراراً وتكراراً بينما كانوا متكدسين في بيوتهم لا يقدرون على فتح نوافذهم صيفاً من شدة الروائح الخانقة ؟ تلك الروائح والأوبئة التي اتخذتم قراركم بالتريث في حلها هكذا وبكل بساطة لأنكم باختصار لم تختبروا معاناتها الشديدة وأنتم تجرون كشفكم (تحت التكييف) .
السادة الأعضاء.. والتبريرات
البداية كانت مع مدير مؤسسة مياه الشرب المهندس نزار جبور بعد مكالمة هاتفية طلبنا فيها موعداً ليحتج بكثرة انشغاله فسألناه هاتفياً والجواب كان صفراً مكعباً رغم أن السؤال الوحيد الذي طرحناه كان هل أنت من المعارضين للمشروع أم الموافقين لنفاجأ بالجواب الصادم (اسأل رئيس اللجنة) وبعد إلحاح شديد منا وتخفيف السؤال ليصبح عمن عارض هذا المشروع من الأعضاء قال: اسألوا مدير الصرف الصحي فالموضوع من اختصاصهم وليس من اختصاصنا ولا نملك إعطاءكم أجوبة دقيقة مضيفاً بعض كلمات التأفف من أن هذه اللجنة زادت الأعباء الملقاة عليهم فوق أعمالهم الكثيرة أصلاً، وتحتم علينا أن يكون الثاني على لائحتنا مدير الصرف الصحي المهندس منصور منصور وكانت الأسئلة أيضاً هاتفية كما أحب والسؤال ذاته طرح عليه ليكرر ذات الإجابة بأن نسأل رئيس اللجنة وأن الموضوع خرج من اختصاصهم ليدخل ضمن صلاحيات مديرية البيئة لوجود تعميم صادر من رئاسة الوزراء عام 2005 يمنع بتاتاً إنشاء شبكات صرف صحي لا تصب في محطات معالجة لتجنب زيادة نسب التلوث البيئية مع معلومة إضافية تفيد بأن هناك لجنة فنية منبثقة عن لجنتهم وهي من أشارت عليهم بالتريث ولا مانع عنده من تنفيذ المشروع في حال تم إقراره والموافقة عليه من البيئة فتوجهنا إلى الدكتور علي داؤد مدير البيئة وللحق فقد أبدى تضامنه مع الأهالي واستغرابه من عدم الموافقة على المشروع كونه ينتهي إلى مصب قائم كما أعلمتهم اللجنة الفرعية المكلفة بالكشف من قبلهم وهذا ما استدعى مقاطعتنا له بأن الأهالي لم يروا أحداً ولم يقم أي كان بزيارة القرية ولم يلحظوا أي شيء بهذا الخصوص ليكون التبرير أنها قد تكون اجتمعت مع رئيس البلدية (لا تعليق) وحتى حين طلبنا التقرير الذي من المفترض أن تكون أعدته هذه اللجنة الفرعية كان الجواب بأنه لا وجود لتقرير مضيفاً أن الأهالي بإمكانهم تقديم طلب خطي للمحافظ طالبين إعادة انعقاد لجنتنا فهو المخول الوحيد بهذا الإجراء وعند سؤاله عمن اعترض وهل تؤخذ القرارات بالتصويت أجاب بأنها تتخذ تضامناً بعد المناقشة وأي عضو يمكنه التحفظ على أي قرار إن شاء والجميع في هذا الحالة معترضون على التنفيذ كما تشير تواقيعهم مهما ادعوا عكس ذلك، أما النهاية فكانت مع المهندس عيسى حمدان مدير الموارد المائية والذي تمنى أن يكون كل بيت في طرطوس مخدم بشبكة صرف صحي والتي تعد هي مشكلة طرطوس الأساسية ولكن بالتوازي مع الحفاظ على خفض نسب التلوث في الأنهار مع العلم أن اللجنة متضامنة اتخذت قرار التريث على أمل تنفيذ محطة المعالجة سريعاً، وإلى هنا نكون استقصينا آراء السادة المديرين الواردة أسماؤهم ولم يتبق غير رئيس اللجنة ليدلي بدلوه.
رئيس اللجنة… الوعد
اللافت هو سرعة استجابة المهندس جابر حسن عضو المكتب التنفيذي لمحافظة طرطوس ورئيس اللجنة، موعدنا معه حدد سريعاً ودخلنا صلب الموضوع فوراً، والحقيقة أنه استمع بكل موضوعية لما قاله الأهالي لنا عن عدم زيارة اللجنة لهم بما يعني عدم اطلاعهم فعليا على الواقع الحقيقي وبعد الشروحات والمناقشة عن سوء الوضع وضجيج الأهالي المستمر بخصوص ذلك على مواقع التواصل الاجتماعي وأحقيتهم بذلك أسوة بالقرى الملاصقة أوضح لنا أن التريث لا يعني الرفض ويهمنا جداً تأمين الخدمات لأي تجمع وعملنا مستمر واجتماعاتنا مكثفة لحل أكبر عدد من القضايا ذات الشأن ونعد أهالي القرية بدراسة الموضوع مجدداً والأخذ بالحسبان كل الاعتبارات التي قد تكون أدت إلى التريث ومحاولة حلها سريعا ليصار إلى الموافقة على المشروع بأقرب وقت ممكن ويوضع بعدها على طاولة السيد المحافظ للمصادقة، ومع هذا الكلام خرجنا متفائلين بأن يكون الوعد صادقا والحل قريباً.
على أرض الواقع
في محافظة طرطوس أكثر من عشرة محطات معالجة لا يعمل منها سوى ثلاثة (خربة المعزة – خربة الفرس – تعنيتا)، بعضها تم إنشاؤها منذ عشر سنوات تقريباً وإلى الآن لم يتم استلامها من الشركات المنفذة بحجج كثيرة (محطة بيت عفوف) على سد الدريكيش، قسم منها تم استلامها ولم تقم شركة الصرف الصحي بتشغيلها وكالعادة أيضا بمبررات خرافية ( محطة بصيرة – العريمة ) ورغم كل هذا الواقع المتردي للصرف الصحي عموماً ومحطات المعالجة خصوصا تقرر اللجنة التريث لحين إنشاء محطة معالجة، ما يعني فعليا الانتظار لمدة قد تتجاوز عشر سنوات على الأقل لتصبح المشكلة عندها أكثر كارثية مما هي عليه كنتيجة حتمية لازدياد عدد السكان وتضخم البنية العمرانية فهل كان هذا بحسبانها؟ ألا تعرف اللجنة ومن الواقع الفعلي أمامها أن نهر الغمقة الذي بررت تريثها بحجة عدم زيادة نسب التلوث به يصب فيه الصرف الصحي لما يزيد عن مئة ألف نسمة من القرى على ضفتيه ؟ ولن يزيد ألف ومئة نسمة أخرى تلوثت قريتهم بالكامل الأمر سوءاً إلى تلك الدرجة (الخطيرة) التي صورتها اللجنة والسادة المديرون، أليس من الواجب عليكم تخديم هذه القرية التي اشتهرت بمبادراتها الشعبية التي شارك فيها حتى العجزة بشق الطريق ورصفه بأيديهم وعلى حسابهم وحفروا بأنفسهم الخنادق لتحويل شبكة الهاتف من هوائية إلى أرضية إيمانا منهم بمساعدة بلدهم وقت الأزمة، أليس ما يطلبونه من أبسط حقوقهم ؟ بعد كل هذا ولأن – صحيفة الوحدة – تعهدت أن تكون صوت الناس في آذان المسؤول اقتداء بكلمة السيد الرئيس عن دور الإعلام الوطني لم يبق لنا إلا نقل رسالة الأهالي الذين تمنوا أن تعيد اللجنة دراسة المشروع مع الموافقة (كما وعدنا) لمباشرة التنفيذ بعد المصادقة عليه من السيد المحافظ.
كنان وقاف