دور المجـتمع المحــلي في مقاومــة الحــرب.. خـــدمات ومــبادرات وتصـالح

العدد: 9480

الاثنين: 2-12-2019

تهدف الحرب عادة على ضرب التنظيم الاجتماعي للبلد الذي تستهدفه، وتبدأ بتمزيق النسيج المجتمعي من خلال ضرب دعائم الأسرة ومؤسسات الدولة، بسلسلة من القتل والتشريد والتخريب لتنتهي بتشويش المجتمع وتفكيكه من خلال تفكيك الأنساق الاجتماعية وتفكيك الروابط بينها.
يضم المجتمع وجهين مترابطين هما: الجغرافي والاجتماعي النفسي، الجغرافي هو الأرض ومواردها الاقتصادية والبشرية، والنفسي الاجتماعي تتكون منه كينونة عيش الفرد (الأسرة) ضمن المجتمع المحلي كنسق اجتماعي، وهذه الكينونة تشكل عاملاً مهماً في بلورة الانسجام بين مكونات النسيج الاجتماعي، هذا الانسجام الذي يساهم في دعم التنظيم الاجتماعي المناقض للتفكك الاجتماعي والداعم للاستقرار من خلال القيم والمعايير الاجتماعية والثوابت الوطنية والانتماء.
هذا ما جاءت عليه الدكتورة فتاة صقر، رئيسة مكتب المصالحة في المحافظة في لقائنا معها على هامش مؤتمر الصحة النفسية الأول حيث قالت: تهدف الحرب إلى تفكيك المجتمع من أجل تحقيق السيطرة بأقل الخسائر وبزمن أسرع.

كيف كانت استجابة المجتمع السوري لأداء الحرب التفكيكية؟
في المجتمعات الآمنة، الاستجابة الإغاثية السريعة المتمثلة بمراكز الإيواء والغذاء ولم شمل الأسر المهجرة، والرعاية الصحية الممثلة بأنشطة الحماية والدعم (حماية الطفل) العنف القائم على النوع الاجتماعي، تحرك المجتمع الأهلي متمثلاً بالمبادرات والجمعيات والفرق التطوعية، والإسعاف النفسي الأولي في أماكن التوتر.
وقد بينت حجوم الاستجابة أن 1641729مستفيداً من الحماية والخدمات المجتمعية، منها حماية الطفل 196388 أي 12% العنف القائم على النوع الاجتماعي 183733 أي 11% وأنشطة الحماية 1261608 أي 77% وبالنسبة للرعاية الصحية استفاد منها 388816 مستفيداً والتي تضمنت : رعاية الأمومة والطفولة وتعزيز الرعاية في حالات الصدمة والإصابة وتعزيز خدمات الصحة النفسية، كما استفاد 258695مستفيداً من أنشطة مراكز الإيواء التابعة للمفوضية منها : 18560 تصميم وببناء المخيمات وتوزيع مواد الإيواء و8042 تأهيل مراكز الإيواء الخاصة و4950 تأهيل مراكز الإيواء الملحة 3433 تأهيل بيوت متضررة، بالإضافة لتوزيع مواد الإغاثة الأساسية .
وأين وصلت الحرب منا ؟ تكمن المشكلة بأن الحياة الاجتماعية علمياً تتصف بالديمومة وهي في حركة دائمة ومستمرة سواء بالسلب أم بالإيجاب بالدمار أم بالعمران.
فقد تم التأثير على الوجه الجغرافي بتهجير المجتمع الأصلي المنسجم واستحضار جماعات قاتلة من كل بقاع العالم وغير متآلفة وحرمان المواطن من أرضه ومصنعه، والتأثير على الوجه النفسي بأشكال أكثر حدة بإثارة الفتنة والتشريد ونشر الخوف والذعر وتضليل وجه الحقيقة والتهديد والفوضى وكل ما يقتل روح المقاومة والانتماء الحقيقي للمكان والإنسان.
كان هدف الحرب علينا هو الوصول بنا إلى أرض سوداء محروقة بأفراد فارغي المحتوى من القيم الوطنية والإنسانية.
صيرورة الحياة الاجتماعية متغيرة بشكل مستمر ولا تقف عند حدود التفكيك والتداعيات بل تذهب إلى البناء بعد ذلك، فليكن البناء بإصلاح ما أفسدته الحرب وبجهود محلية وطنية.
وماذا عن المصالحة؟ المصالحة استجابة مجتمعية لكشف الحقيقة دون تحطيم الروح المعنوية بل إعادة تنميتها وإعمارها، لقد أبدت المجتمعات المحلية السورية مرونة مجتمعية ابتداء من الاستجابة السريعة للخدمات الإغاثية وصولاً إلى الجهود التصالحية وكانت هذه المرونة إحدى العوامل الحاسمة للنجاة في هذه الحرب الطويلة، ويتم التعويل عليها لتجاوز الانتظار والانتقال إلى مرحلة الإعمار عبر إعادة عملية التنمية كمحرك أساسي لصياغة واقع اجتماعي أقل تعقيداً وأكثر قدرة على التفاعل مع محيطه في عملية طويلة الأمد من خلال مشروع مصالحات ببعدها الاجتماعي والسياسي والوطني وكمشروع حضاري يعيد الروابط المجتمعية ويساعد السوريين في إعادة ترتيب تموضعهم ضمن جهود تصالحية وتعمل هذه الجهود على تحفيز الرأسمال المجتمعي بكافة أشكاله المقيم والمهاجر ومع الحوامل التنموية الاجتماعية لمعطيات الحرب.
المصالحة خيار استراتيجي مقاوم للإرهاب ومشروع حضاري طويل الأمد هدفها التمسك بالهوية الوطنية وزيادة التماسك الاجتماعي وهي مشروع اقتصادي اجتماعي سياسي.
وهل للتربية دور في المصالحة؟ للتربية دور في دعم البعد الاجتماعي للمصالحة من خلال تربية الفرد على تحمل المسؤولية الاجتماعية من خلال غرس قيم الحب والعطاء والتسامح والتصالح وإعداد المواطن الصالح المسؤول عن ذاته وأسرته ومدينته ووطنه الكبير وتتجلى المسؤولية بسلوكيات بناءة وبمستويات تربوية متعددة أدنى مستوى لها هو إماطة الأذى عن الطريق وأعلى مستوى هو يقظة الضمير.
وماذا عن الوجه المظلم للحرب في بلدنا؟
الوجه المظلم للحرب في تناقص، ويشرق النور من قول السيد الرئيس الدكتور بشار الأسد خلال استقباله للمحررين: هم يريدوننا أن نكون مثلهم حاقدين، نحن لن نكون حاقدين لأننا سوف نكرس المحبة، لأن ما يقتلهم حقيقة المحبة، مقبرتهم من المحبة وليس الحقد، الحقد يجعلنا نحفر قبراً لكل السوريين، لو عملنا بمبدأ الحقد لما استطعنا أن نقوم بعملية التبادل، عملنا كان قائماً على المحبة واستطعنا أن نصل للمخطوف، وأرجعناه بهذه الطريقة ولكن في النهاية كل هذه المحبة يسندها مقاتل شجاع هذه هي الحقيقة.
قدمت سورية للعالم نموذجاً فريداً للمصالحة الوطنية عمادها الهوية والإرادة السورية في مواجهة الإرهاب وقد ساهمت بالتخفيف من حدة التوتر وفي عودة المخطوف والمفقود وساهمت بدعم المبادرات الأهلية التي تعيد للوطن حركة الرأسمال المجتمعي المهاجر، وعملت على تسهيل الاندماج المجتمعي.
في ظل الظروف المجتمعية اليوم ماذا في التنمية والإعمار؟ التنمية والإعمار لشجرة المجتمع، جذورها هي الأسرة، فاقد بشري ومادي، إعلام عالمي ومحلي، الفجوات المجتمعية (العادات والمفاهيم الضارة، الفقر) أما جذعها فهو تنمية مهارات وقيم لمقاومة العنف والظلم والفساد لأجل السلام والنمو، ولتورق أغصانها بـ (التربية والتعليم، القانون، المسؤولية الأسرية الوطنية).

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار