سيطرة فاشلة…

العدد: 9477

الأربعاء:27-11-2019

تستفيق الأحاسيس دفعة واحدة لتعمل مطارقها الصلبة تهشيماً وتحطيماً في الجسد المنهك أصلاً بالآلام، فتجد نفسك وقد تحولت إلى أشلاء افتراضية تتبعثر على الدروب أو تحت المقاعد والأسرة أو زوايا منسية تتدلى منها شباك العناكب المتربصة بفرائسها.

تستفيق الأحاسيس على الرغم من الجهود المضنية التي تبذلها لكي تسيطر على أجزاء منها وتحيد بعضها الآخر بأساليب شتى قبل أن تورطك في كثير من المشكلات التي ما انفكت تتفاوض وتكبح جماح تمردها!!
تلك الأحاسيس المبهمة المولدة لمشاعر الخوف من نزقها وانفلاتها من عقالها تدفعك إلى حواف الجنون عندما تتحرر صرخاتك المعتقلة في زنزانات روحك وتفجرها بين الأضلاع خفية موجعة تلهج بكلمات لا يفك طلاسمها سوى من أدرك معانيها.
تستفيق الأحاسيس دفعة واحدة فتستحضر أمام عينيك حفنات من ذكريات الماضي ومزقاً من مرثية الحاضر الذي يحتضن كتابه و يستعد للرحيل والانزواء تحت شجرة منسية ليقرأ فصلاً من سفر الحكايات القديمة.
هي لحظات واجهة خفية خاسرة تخوضها في ميادين الصمت والذهول وترسل أثناءها استغاثات عبر نسمات المساء لكنها تضيع في الفضاء وتبدأ قواك تنهار شيئاً فشيئاُ أمام شراسة تدافع الأحاسيس المثخنة بالإصرار على الخروج من تلك الزنزانة التي صرت سجّانها المتجهم؟
وعلى سجادة ثلجية ناصعة البياض ممتدة نحو الأفق ،الأحاسيس المتأججة تتمرغ بالبرودة مستجدية بما يجمدها ومن تلويناتها تنحفر حروف حمر تتلاصق لتكون كلمات وراء كلمات.
ثم تتجمع مشكّلة قصيدة تتغنى بقصص العشق وآلهة الحب والجمال المولودة من رحم الأساطير وفي تلك اللحظة تدرك أن للأحاسيس لغات شتى لا يمكن السيطرة عليها مهما حاولت ومهما أحكمت قبضتك حولها لأنها كالمياه تفر من بين الأصابع بلا استئذان أو جواز سفر.
وعلى الرغم من تلك الحقائق الساطعة تبقى مستنفراً للبحث عن مسارب لها من دون أن تجعل بعضها يتفوق على الآخر متناسياً أنك واحد من البشر الذين يخضع عالمهم الداخلي لمجموع الأحاسيس والمشاعر والتصورات الخاصة بكل ذات نحو العالم ،فهل يمكن أن يمتلك المرء الطاقة اللازمة للسيطرة عليها؟
أو على الأقل تشذيبها واختيار الطرق والأساليب المناسبة للتعبير عنها، هذا الأمر ممكن لو امتلكنا إمكان إظهار ما يعتمل في دواخلنا عبر اخضاع الأحاسيس إلى (فلترة) ذهنية ومعرفية قاسية لكن من الذي يمتلك تلك الأدوات المتسلطة والمتهجمة لتطويعها واستخدامها في الأوقات كلها.

لمي معروف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار