العدد: 9477
الأربعاء:27-11-2019
تبدأ حياتنا بفصل ناقص، فنخلق عراة نفتح أفواهنا للهواء، ضعفاء ونبتسم نستعطف من حولنا ليقوموا برعايتنا، نبكي حين يهملوننا، نصرخ.. وأخيراً ننام على وجع أو جوع إن نسونا.
ويبدأ الفصل الناقص الثاني بدخولنا المدرسة وبكائنا على أبوابها متمسكين بأثواب أمهاتنا خشية هذا العالم المجهول، فتسحبنا معلمة تتصنع اللطف وتحشرنا في مقاعد باردة بأعدادنا الكبيرة وأحجامنا الضئيلة وعيوننا الملونة كأحلامنا التي لم تكن مؤطرة إلى ما قبل لحظات، ثم تبدأ عملية التأطير والقولبة والتلقين الذي يطال لاحقاً كل شيء في حياتنا وعلمنا وديننا ومراهقتنا.
أما بداية الفصل الناقص الثالث فتكون على أبواب الجامعة عندما نظن أنا تركنا خلفها تسلط أهلنا ومعلمينا وعادات مجتمعنا البالية، فنحن الشباب بناة المستقبل ودعامته وهنا ستبدأ رحلة تغيير الواقع حيث سنعطي لكل شيء معنى آخر أكثر انفتاحاً ورقياً… وتتحطم سفينة أحلامنا على صخرة الفساد والمصالح والازدواجية والمعايير المتغيرة بحسب الأهواء تماماً كما يحدث على أعتاب مرحلة الفصل الرابع.
عندما ندفن جراحاتنا العاطفية والاجتماعية والعلمية في بئر عميق ونخرج مرتدين قناع السعادة، فنفخر بشهاداتنا ووظائفنا وعلاقاتنا الجديدة ونسعى لنكون مرنين فنتجاوز إساءات زملائنا الغيورين وتسلط رؤساء العمل وأجورنا القليلة، لكن فجأة تتساقط مرونتنا ونتخلى عن لباقتنا مع استمرار الضغط الاقتصادي والاجتماعي وتتحطم أمانينا في اليوم الواحد والثلاثين لأن اليوم التالي موعدنا مع راتبنا اللعين الذي لا يسعفنا لنظل ظرفاء ولبقين في ظل جشع التجار وتلاعبهم بنا واحتكارهم للسلع الضرورية لاستمرار عيشنا…
فيتحول ذلك الزواج المثالي الذي أقمنا لأجله الأفراح وعرضنا صوره على صفحات التواصل الاجتماعي إلى مجرد ذكريات يذكرنا بها ذلك العالم الافتراضي الأزرق كل سنة.
نظن أنا ادخرنا المحبة والخير في أبنائنا وأقربائنا الذين مددنا لهم يد الخير يوماً، أو أصدقائنا الذين تشاركنا معهم مآسينا وابتهاجاتنا، فيبدأ الفصل الأخير الناقص في حياتنا بتساقط هؤلاء الواحد تلو الآخر، لنعود صفر اليدين كما بدأنا .. عراة الأرواح، أجسادنا هزيلة، ابتساماتنا شاحبة تستعطف محبة ابن واهتمام ابنة، نبكي بصمت إن أهملونا، نتألم بصمت لو نسونا، والسعيد منا من يصيبه (الزهايمر) ومن لا يفعل يظل يبكي حتى ينام على وجع معلناً نهاية فصول حياته الناقصة.
نور نديم عمران