صــــالونات التجـميل.. وكثــــير من الكـــلام المـــباح

العدد: 9477

الأربعاء:27-11-2019

 


يظن بنفسه طبيباً نفسياً أو مرشداً اجتماعياً أو مستشاراً قانونياً أو أستاذاً أكاديمياً ومترجماً لغوياً وله كل الحالات والثقافات أن يتطرق إليها ويحلحل عقدها، ويسحب لونها وصيغتها ويشد أطراف حديثها بفرشاة شعر مجعد أو منسدل على الأكتاف، ليقصه ويلونه بلغتها ويضع مساحيقه التجميلية والمعرفية، فيصبغها بوجوه متعددة اللغات والمقامات الاجتماعية والشعرية والوظيفية فتناديه (أبو العريف أيها الكوافير).

جميعهن وحتى جميعهم يلجؤون للصالونات، جرياً وراء الموضة وتحسين صورهم بوشم ورتوش، ولو انتظروا بالدور لساعات، وهناك تعتلي آخر أخبار الناس في مجتمع ضيق يعرفون بعضهم عند الحلاقة والتجميل والتي باتت(شغلة المالو شغلة) نال الشهادة الجامعية وغيره لا ولم يحظ بوظيفة، حيث تكاثرت أماكنها في المدينة والأرياف وتناسلت فيها الأحاديث والقيل والقال حتى أنك لتسمع لغة بمفردات لم تسمعها أذناك من قبل.

جلش، جيل، بديكير، منوكيير.. مفردات لم أسمعها ولا أعرفها وكنت جاهلة بها رغم أني في عمر الخامسة والعشرين (تقول ربا) لم أزر صالون حلاقة من قبل وأنا في سني الدراسة والجامعة تخرجت وقدمت أوراقي لوظيفة، فكان أن ضحك الجميع من شكلي واستغربت بأمرهم لتدس إحداهن في مسمعي أنه من الواجب عليّ زيارة صالون حلاقة لتغيير مظهري وتزيين نفسي، وقد فعلت ما أباحت لي به زميلتي خوفاً من اختيار غيري للوظيفة وضياع فرصتي، ولما سألتني القابعة في المكان ماذا أريد أن أفعل، لم أحسن الجواب فلا أعرف أن أسمي أشياءهن بمفرداتها، فضحكت وعلمت بأنها المرة الأولى لزيارتي صالون تجميل فقالت وهي توجه الكلام لي بعد سماع قهقهات الحاضرات: لا يهم ستخرجين ولا تعرفين بأنك الفتاة التي في المرآة، وفعلاً كان ما أرادته الوظيفة لي، وبت أتردد على الصالون باستمرار، لكني إلى اليوم ومن سنتين لم أستلطف النساء فيه ولم أتعود عليهن فكل منهن مأساة، ولديها مشكلة تأخذ الآراء والوصفات من الحاضرات وعلى رأسهن صاحبة الجلالة والسلطنة صاحبة المحل، وكأنها بروفيسور.
السيدة هيفاء، طبيبة: تشير بأنها مضطرة للتردد على الكوافير لتحسين صورتها أمام زوجها وأولادها وحتى مريضها، فهي قد تمنحه الأمل بالنجاة، ولكنها لا تذهب دون رفيقتها سعاد (مهندسة) أو أختها هناء، وبالتأكيد ينتظرن ساعات طوال كما عندها في العيادة، ولهذا يكون بينهن كلام وحوار وقد تجرها إحداهن للحديث بالخصوصيات وبعضه تهكم ومحاولة تجريح بالكلام، فتتوقف عن الحديث حينها فلا تريد لغريبة أن تطلع على أمورها وشؤونها الشخصية، وتترفع عن الجواب، إذ إن بعضهن جاءت لتنفث غضبها من مشاكل تعانيها في بيت أهلها أو زوجها لتخفف من ألمها ووجعها والكل مرشد ومصالح لكن بالنتيجة الرأي والنصيحة للكوافيرة صاحبة الشأن والمقام، وقد تكون جلسة نميمة وإشهار عن أناس بعيدين وقريبين يجترون الأقاويل عنهم والأخبار (طلقت، خطبت، عريسها لا يعلم عنها شيئاً، كبيرة بالسن وتزوجها لمصاريها.. ضربها زوجها وحردت، طلعت بنص الليل مع شاب ..) والكل فيها يدعي مجرد كلام للتسلية وتمضية الوقت ليس فيه سوء نية.
المزينة هبة صاحبة صالون السيدات الجميلات تقول: تأتي إلى الصالون سيدات من جميع المستويات والقياسات وبمختلف الأعمار ولكل منهن طبعها وفكرها ولونها وأنا القاسم المشترك بينهن أجيب على حديث فلانة تنتظر الرد مني وألتفت لأخرى كانت قد سمعت قولنا وتابعت فيه أو أضافت، لأدير الحديث بعدها بين الأطراف التي حشرت نفسها بين جوانبه وما أكثرهن، لكن أغلبهن يشكينَ هموم المعيشة والأولاد والمعاناة اليومية بينهم، يحكين كل شيء ولا شيء فيه فائدة أو زيادة عما نعرفه، وأنا سميعة ممتازة أزود نفسي بخبرة الحياة وأقطف من أشجار بساتينهن الثمار، هذا المكان صغير بحجمه لكنه كبير كما الصالونات الأدبية والدور الثقافية لما فيه من أذواق وأغلبهن جامعيات ومثقفات وطبيبات و.. وقد يكون الملتقى بعد التعارف وتكوين صداقات جديدة، لكن يزعجني نشوب بعض الخلافات وقد يكون فيها الشجار على الدور أو التسريحة التي تريدها إحداهن لنفسها دون غيرها، ولتكون هي الوحيدة والفريدة بقصتها وشكلها وهي بالتالي العصرية والأجمل بين فتيات الحي.
في صالون نور حدثتنا المزينة التي تعمل فيه وأكدت أن بعضهن يأتين للتسلية وملء الفراغ في يومهن وكسر الملل والضجر بعد خروج أفراد عائلاتهن لمشاغلهم، فتجد في الصالون ما تنشده ويروق مزاجها بمن ينصت لها فتبوح بمكنونات نفسها أمام القريب والغريب غير آبهة بملحقات الحديث الذي قد يكون فيه ما يتسبب بالمشاكل والأحزان خارج هذه الجدران وقد يتصيدها أهله كل حين ببلاء.
السيدة آمال، معلمة تشير أنها لا ترغب بدخول صالون الحلاقة والتجميل عند الزحمة واكتظاظه بالنساء، حينها تكون الثرثرة فيه عارمة (كما تقول) وتخرج أصواتها للشارع بمزامير وتشفيط، أو قد تنتظر لساعات عند الصبغة والميش، ودائماً ما تحجز في وقت متأخر فالبيت قريب ولا تريد الحضور في لمّة نسوان وليست مضطرة لسماع مشاكلهن ومفرداتهن السوقية في أكثر الأحيان، حتى وإن حظيت بتلك الرفقة في الصالون فإن الصمت هو الجواب عندها طوال الوقت وقد تخرج لبعض الوقت وتعود.
يوسف، حلاق رجالي أكد أنه ليست صالونات النساء فقط فيها الثرثرة والحديث بخصوصيات الناس، فقد أصاب هذا الوباء الرجال أيضاً والذين يأتون للتسلية وقضاء بعض الوقت على أنه مرور الكرام للتحية والسؤال عن الأحوال فيأخذ قهوة أو كأس شاي مع الزبائن ضيافة المحل، وقال: أشكو من أن صالوني على الشارع العام ويقصده الرجال من كل صوب لتدور الأحاديث العامة والخاصة دون حساب لوقت الجلوس والإقامة، وهو ما يعمل على (تطفيش) الزبون الذي يرى المكان في ازدحام وكلام فيضطر أن يلجأ لغيري وقد يأتي يوم وينقطع فيه رزقي.
السيد أبو مهند يشير بأنه إلى جانب منزله يركن صالون تجميل للسيدات، وهو يعاني من ارتفاع أصواتهن ويسمع أحاديثهن المؤذية أحياناً المشوبة بالاتهامات، وقد يرافقها المسجل والألحان من الموبايلات إضافة للسيشوار وروائح الصبغات وطلاء الأظافر، يقول: ناهيك عن عدم ارتياحي في الجلوس خارج الجدران أمام منزلي أثر وفود السيدات إليه في إياب أو ذهاب، وقد يطول عملهن لمنتصف الليل حين تجهيز العروس وبرفقتها فتيات بأشكال وألوان وزحمة وأبواق السيارات وزفة العروس أي أننا نعيش وسط عجقة حياة الصالونات بكل جلالتها.
لقد أكدت دراسة بريطانية أن هرمون أوكسيتوسين يدفعهن للحديث والثرثرة لتحسين مزاجهن، وأوضحت غيرها من الدراسات أنهن يقضين على الأقل خمس ساعات يومياً في الثرثرة، ولا مكان أفضل من صالونات التجميل لأحاديثها التي تتنوع وأفضلها في الجمال والموضة والأولاد وغيرها عن الآخرين لتندس في مشاكلهم رغم أنوفهم.

هدى سلوم – معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار