تعلّــــق بحبــــال أهلــــه..

العـــــدد 9475

الإثنين 25 تشرين الثاني 2019

إنّا معلقون بأهلنا والأولاد كما نحن عليه (معلقون بالأمل) لتمتد جذور التأصل والتعلق فينا إلى بدء التكوين، ونحلف بأغلظ الأيمان وأيسرها بأعز ما عندنا من آباء وأحباب دون تلعثم بالمفردات، وهذا التعلق طبيعي كما يقول أهل علم واختصاص في النفس والاجتماع، نظريتهم (نظرية التعلق) دراسة متعددة الجوانب والاختصاصات تشمل: نظرية التطور وعلم النفس ونظريات علم السلوك الحيواني و..
تعلّق الأم بولدها طبيعي منذ ولادته، لكن ماذا لو استمر بعد بلوغه وهو في سن الشباب والاستقلالية؟
تعلق الفتاة أو الصبي بالأب أو الأم أيضاً طبيعيّ، لكن ماذا بعد زواج كل منهما؟
في سين وجيم، لبعض من عانى مغبة هذا التعلّق في خوف أو انفصام، حيث الأمر والنهي بأن التعلق كان عند هؤلاء وغيرهم…
* الشاب نوار سعيد، طالب جامعي يؤكد بأنه لا يستطيع البتّ بأمر يخصه دون الرجوع فيه لوالدته، يعدها مرشدته وملهمته لكل ما يخصه، وهي ذات خبرة واسعة وناضجة في الحياة، كما أنها ذات حيلة في أصعب الأوقات وأشدها، وهي دكتورة في الاقتصاد، ويشير بقوله: لست الوحيد في البيت، فلدي أخت موظفة ومتزوجة ولديها طفل تأتي إلينا يومياً صباحاً ومساءً بحجة صغيرها، كما أنها في اختناق والزوج عنها بعيد، حتى أن والدي قد طلب منها ترك منزلها وهجرها والانضمام مجدداً لأسرتنا، لكن زوجها لم يوافقها رأيها بأنه عين الصواب، ولهذا لا تخرج من عندنا إلا للنوم، واليوم أنا في سنة تخرج ولطالما أكدت القول على مسامع والداي بأني سأهاجر وأبحث لي طريقاً وسبيلاً في البلاد البعيدة كما غيري من الرفاق، لكنهم كانوا كثيراً ما يلومونني ويصرخون في وجهي: ماذا ينقصك، هذا البيت الذي نعيش فيه وكل ما نملكه لك، يمكنك أن تتزوج وتأتي لتسكن عندنا، فالبيت واسع وكبير أو يمكن أن تقسمه إن أرادت زوجتك ذلك، لكن السفر أخرجه من حساباتك، لا نستطيع العيش دون رؤيتك كل يوم، فينفطر قلبي كلما تقول أمي: (برضاي عليك يا ابني لا تبعد عنا، وكل ما تطلبه مجاب) لا أستطيع أن أفكر أنك ستتركنا يوماً!
هذا ما تردده والدتي علينا، لقد تزوجت أختي رغماً عنهما وقد حاولا جاهدين لمنعها عنه، لكن حبّها فك قيد أسرها منهما وطيرها إلى بيت زوجها حين رضخوا لأمرها، لكن ذلك لم يمنعهم عنها ولم يمنعها من زيارة البيت يومياً ودون سبب، حتى أنا أدعي بأني سأتركهم لكني أظن أني لن أقدر على ذلك بسبب حبي لهم جميعاً وتعلقي بهما فقد ربياني صغيراً لأكون سندهما عند كبرهما وهذا ما سأكون عليه.
المرض يعلقهم..
* السيدة وصال: عندما سمعت بمرض والدي المزمن كرست نفسي لخدمته، لازمته لحظة بلحظة نسيت نفسي، وبقيت على هذه الحالة لمدة ثلاث سنوات ولم أستطع الابتعاد عنه، رافقنه في المنزل والمشافي وعيادات الأطباء وأصبحت الممرضة الخاصة له والمشرفة على أدويته ولم أعترض يوماً أو أشكُ من التعب أو السهر ورغم ذلك كانت صدمتي كبيرة عندما فقدته إلى الأبد.
* حسن ابن الـ 15 سنة قال: تعرضت لأزمة مرضية وشغلت كل العائلة وأصبحت أرى في عيونهم الحزن والشفقة ولكن غيرها من القوة والحنان وجدته عند عمتي وتعلقت بها كثيراً لدرجة أنني لم أعد أذهب إلى المشفى إلا برفقتها وساعدتني كثيراً بشجاعتها واهتمامها، في غيابها تسوء حالتي وأبتسم لرؤيتها وما زلت حتى الآن أتابع معالجتي لا أشك في حزن أهلي وخوفهم ولكن عاطفتهم الشديدة غلبت المرض، وكان همّهم الأكبر تأمين كل متطلباتي وما أريده من علاج وأدوية لأشفى بسرعة حسب ظنهم.
* السيدة ليلى، موظفة: إن حياتي تغيرت كلياً بعد تعرض ولدي لحادث سير أليم نتجت عنه إعاقة دائمة، أرى الأشياء سوداوية من خلال حالته وشدة آلامه، تبرمجت حياتي على الوقوف بجانبه، وأصبحت له العكاز والسند، وغادرتني روحي وأثقل الألم همومي، فلم أعد أحس بتبدل الليل والنهار، ولا أنام إلا قليلاً، ذروة المعاناة كانت في الأسبوع الأول، أما الآن فقد اعتدت على هذه الحالة وتعايشت مع الوضع والحمد لله بني تقبل الوضع ويعيش بسلام، لم أندم يوماً لأنني تركت وظيفتي فأنا أقوم بواجبي كأم.
* السيد أحمد في السبعين من العمر: مسيرة حياتي طويلة والتعب وشقاء الأيام وهمومها والسهر والتعب بدا اليوم واضحاً وبمعاناة، أولادي يذهبون إلى المشافي والأطباء وأنا لا أثق إلا بطبيب يشرف على علاجي منذ سنوات طويلة، أطلب إليهم اصطحابي إلى عيادته وهم يرفضون، بحجة أنهم يريدون تقديم العلاج الأفضل والمناسب، نفسياً لا أرتاح إلى لهذا الطبيب ويتفهم وضعي ووجوده بجانبي مصدر سعادة وراحة واطمئنان.

هدى سلوم – معينة جرعة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار