العـــــدد 9464
الخميـــس 7 تشرين الثاني 2019
لم نأت لنشخص الحالة فقط كون الجميع متفقاً على اتساع الظاهرة عمودياً وأفقياً لتصبح ظاهرة مسيطرة لعبت دورها في تهشيم البنى والترهل الذي استغل من قوى الإرهاب ودواعش الخارج والداخل وقد قدرنا حجم الأموال المنهوبة والمهدورة قبل الأزمة بحوالي ألف مليار ليرة بما يقدر عشرين مليار دولار وما يقدر بحوالي ٣٠ بالمائة من الناتج المحلي وجاءت الأزمة ليصبح في بداياتها مواجهة حيتان الفساد لضرورات أزموية، فالفساد ظاهرة عالمية معولمة مأمركة لأمركة العالم وبثّ سموم الفوضى والدمار فيه لتكون القائد المسيطر ولذلك لجأت للاعتماد على شخوص تابعة تركز الاقتصاد بها وتقوض دور المؤسسات وهذه الظاهرة لا طائفة ولا مذهب ولا دين لها فهي تشكل منظومة متكاملة تغلغلت في كل المواقع والمفاصل لإحيائها ولو على حساب الأمن والأمان والدماء الطاهرة الشريفة وتجويع الشعب وتسهيل احتلاله ولكن التوسع الكبير لهذه المنظومة والنهم لزيادة ثرواتها التي تهرب للخارج للدول الحامية ستؤدي بشكل حتمي لصدامات عنيفة عمودية وأفقية لأن هناك حدوداً للصبر وتحمل الجوع لشعوب تتحمل كل ما يحمي بلدها وسيادته ولكن الفرز الطبقي العنيف وظهور المشهد كأسياد وعبيد يغير الرؤى والمواقف.
بشكل عام بعد الانتصارات المعطرة بدماء وعرق المناضلين المؤازرين للمؤسسة العسكرية أصبحت الإحاطة بالفساد وتقويضه ضرورة وقلنا الإحاطة لا الاجتثاث وذلك نظراً لطبيعة الفساد ومنظومته وتغلغله وانتشاره وبذلك يجب أن يكون هناك برنامج وطني زمني متسارع للوصول للحالة الصفرية واختيار الإصلاح الإداري منطلقاً لهذه العملية كون خطواته تتقاطع مع كل أشكال الإصلاح الاجتماعي والثقافي والسياسي فأهم الأدوات التي سهلت الفساد وتسرطنه كانت التعيينات بكل تنوعها بحيث تتكامل المنظومة المثبطة للأجهزة الرقابية والمحولة للمنظمات والهيئات والنقابات لهياكل تهدر الأموال وتفقد الفاعلية وتسمح بتجاوز القوانين لشريحة معينة وسط نخر وسوس أفسد القضاء والتعليم فمؤسسات التنشئة مسرطنة لتخرج مخرجات تشبهها ومؤسسات القضاء لا تختلف عنها بشيء فأين الحل وسط مؤسسات رقابية منتهية الفاعلية وكل ذلك وسط استمرارية محاولة حيتان الفساد قتل المؤسسات ودورها ليكون لمالها الأسود الدور في إصدار القرارات و بالتالي فأي إصلاح إداري يعتمد تعيينات قائمة على الكفاءة والنزاهة وسط تخفيف من البيروقراطية وإتاحة أدوات تواصل بين المواطن والأجهزة الرقابية للشكوى ووسط متابعة ومحاسبة مستمرة سيكون له مفعول استراتيجي لتخفيف الفساد وهنا يمكننا أن نفرق بين قواد الفساد من حيتان قراراتهم التي تصيب البلد بأكمله وتتجاوز حالته ووضعه وظروفه وفساد صغير كرشى لقاء تسهيل أمور معينة وبالتالي للسير بالإصلاح الإداري والقوانين لابد من حكومة ذات صلاحيات واسعة وبرنامج محدد ينطلق من الحاجات والواقع وهي المسؤولة عن التعيينات التي ستحاسب عليها هي بداية الطريق الصحيح مع تفعيل دور المنظمات والهيئات والأحزاب لتكون رقابة مجتمعية ردعية وطرح حل وطني للإحاطة بالفساد عبر صندوق تمنح مدخراته للتخفيف من انعكاسات الحرب القذرة والتي كان الفساد من أسبابها ومسهلاتها وكلنا يعرف حكومة (دردرة البلد) قبل الأزمة ومن يقف وراءها وكيف استطاعت أن تنجح بانقلاب اقتصادي اجتماعي عنيف عبر أدوات لا زالت فعاليتها حاضرة ولا يجب ألا تكون خارج الحساب وبالتالي فالوصول للحالة الصفرية حاجة وطنية لحماية المؤسسات والسيادة والشعب والعقلانية في الطرح تمنح الحلول المنطقية.
أكيد، الفاسد الكبير فاقد لأي انتماء وطني ولكن عندما يطبق القانون على الجميع وفق صلاحيات تمنح للمؤسسات ستروض قوته، فالفساد طارد للكفاءات وللأموال ومهدم للتطور الاجتماعي الطبيعي ومساهم في بناء الأفكار الحاقدة الظلامية وهنا لابد من التصريح أن القوى الظلامية والتابعة تجعل الفساد قاطرتها لتحقيق البرامج التي كلفت بها لصالح القوى الإمبريالية العالمية وبالتالي الإحاطة به تفشيل لأهم أدوات غزو وتدمير البلدان ونختم: الفساد منظومة لا إنسانية، لا وطنية، لا طائفية، لا مذهبية، فهو طائفة بذاته.
د. سنان علي ديب