الشــــــيخوخة.. خــــريف العمـــــر وشــــــتاء ســـــنوات

العـــــدد 9461

الإثنين 4 تشرين الثاني 2019

 

بجمال الروح نرجع لأيام خلت فيها العمر انقضى بفصول تشابه فصول السنة الأربعة ليكون فيها الخريف والشتاء فيعتمرنا الشيب كما الثلوج عند القمم.
يقال في اللغة: هذا رجل شيخ وتلك امرأة شيخة، والشيخ والشيخة هما من ذهب شبابهما وتولى وظهر عليهما الشيب، فالشيخوخة بهذا المعنى مرحلة من العمر يصل إليها بعض الناس وكثيرون لا يصلون، وهؤلاء الذين يصلون تنقسم آراؤهم فيها، فمن يخشاها يرى أنها مؤشر لاقتراب الأجل، وأما الذي لا يخشاها فإنه يستقبلها وكأنه أمام أمر طبيعي، لا يدعو للتشاؤم وإلقاء العكاز من يده ليكون الترحال من هذه الحياة، التي قد يطول فيها عمر الإنسان أو يقصر، والنوع الخير هو أريحي للأبناء وذويه، كما أنه طيب المعاشرة والجوار، ولا يميل للعزلة والانطواء والابتعاد عن الآخرين، وهذا من حسن الطبع، يستقبل الشيخوخة ولا يتململ ودون غلبة وعناء، لكن ذلك لا نعني في كلامنا أن النوع الأول لا يمتلك أسبابه الخاصة!

ألا ليت الشباب يعود يوماً
يتحدث السيد أحمد عن والدته فيقول: كان أشدّ ما تخشاه في شيخوختها ليس الموت، وإنما الهرم وذوبان الشباب، وعدم مطاوعة جسدها لها للقيام بشؤون بيتها الذي كانت تقيم فيه لوحدها، تلك العزلة ولدت عندها مشاعر الوحدة والابتعاد، مع أنه كان بمقدورها العيش معي في بيتي أو بيوت إخوتي وبين أطفالنا وأحفادها، لكنها كانت استثنائية بفهمها للحياة، وقد غادرتها وهي في عز الشباب 62سنة، ولعلها بذلك ماتت قريرة العين بعد أن استجاب الله لدعواتها المتكررة أن تموت ولا تصل لحد العجز والقعاد.
نعم للشيخوخة أسرارها، قد يصل الواحد منا إليها وقد لا يصل، لكن الأمر يتمثل في كيفية مواجهتها والتغلب على أعراضها إذا حدث ما يخل بالأمر، أي إذا استطاع التغلب عليها، فإن سعادته في الحياة أن تذبل، وهي إن ذبلت فإنما ببطء شديد، ومنذ زمن قديم كان الإنسان يبحث عما يجدد نشاطه، ويوقف الوهن في جسده، وقد اختلفت السبل إلى ذلك، قد يرى البعض أن السؤال مبكر، أو أنه في غير وقته..
السيد سليمان أحمد كما يقول ولده جعفر: عندما مات كان عمره يزيد على القرن، والمرة الوحيدة التي زار فيها طبيباً كانت قبل وفاته بثلاثة أشهر، كان كل شيء في جسده على أحسن حال، وما شاء الله عليه، وكان في قوته ونشاطه يوازي الشباب، فقد اعتاد الذهاب إلى حقله منذ عشرات السنوات مشياً لنصف ساعة عندما لا يجد من يوصله على مركبة، يحمل زوادته التي تكفيه لآخر النهار ولا تتعدى الخبز واللبن وبعض حبات زيتون، يشتغل فيها ويزرعها ويجني الثمار ويبيعها في دكان ابن أخيه.
من المهم أن يملأنا الإيمان بأن الشيخوخة مرحلة من الحياة، فمنذ أزمنة بعيدة ظلت الشيخوخة وأمراضها ميدان عمل عدد كبير من العلماء وغيرهم، والكثيرون أرادوا أن يفهموا طبيعة التقدم بالسن، وإمكانية تجنب الإصابة بأمراضها، وقد عدّد الحكماء والعلماء والفلاسفة على سبيل المثال أنواعاً لا حصر لها من الترياق في ذلك الوقت، ففي القرن الثالث الميلادي أوصى فلاسفة في الصين بتناول كبريتيد الزئبقيات الفاتح للشهية وبما أن المعدن فيه سام، فقد مات الكثيرون بدل أن تطول أعمارهم، وحتى في وقت لاحق من العصور الوسطى ظن الكيميائيون اللاتينيون أن بمقدورهم تحويل الذهب إلى مادة قابلة للهضم، اعتقاداً منهم أن امتصاصه في الجسم سيضيف سنوات أخرى إلى العمر..
ما نراه اليوم يدل على أن الشيخوخة باتت فصلاً جميلاً يضاهي الربيع بألوانه ووروده، خاصة أننا نعيش عصر التقنيات والحديث في صناعة الجمال بمبضع جراح، وباتت الشيخوخة تغفل عن دق الأبواب، ومن الطبيعي أن يتجاوز الواحد منا الستين من سنواته وما تزال ملامح الشباب تغزو الجسد والروح فيه.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار