عيد الذكــــريات

العدد: 9458

الأربعاء :30-10-2019

مع مواسم الجني والقطاف، تعودنا على تخزين المؤن، وأيضاً على مواسم الدورس الهاربة إلى المنازل والأماكن الأخرى، أو السّفر والاستجمام ،و.. حتّى نتائج امتحانات أولادنا أسميناها مواسم، عدا عن شراء الملابس الفصليّة، فنقيم لها موسماً واحداً نقتحم فيه الفصول، ألا وهو موسم التنزيلات.

ومن لا مواسم له، لا رفاهية تنبض فيه ولا اكتفاء، وأنا واحدٌ من مشرّديّ تلك المواسم، وأحيا كيومي الّذي لا أفتح نوافذه على اليوم التالي، ولو كان بساطاً هابطاً من السماء!
أما مواسم الحب وأعياد الميلاد أو مغادرة الحياة ، فلا شأن لي بها، لتأتي بعدها باقةٌ من المناسبات الجديدة ومنها يوم المدرسة الأوّل، ومن ثمّ اليوم الأخير أيضاً، وأعياد (زقزقة العصفور ومواء القطّة وحفيف الشجرة وبكاء نهرٍ أو ابتسامة قمر))!!
وهكذا يكاد صندوق الأيام لا يتّسع!
مجموعة عجائز قرّرن الاحتفال بمناسبة الاستعداد لمغادرة العالم، وفي اليوم المقرّر : جاءت كلّ سيّدةٍ بوردةٍ لتلقيها في النهّر المجاور ، ثمّ دارت بينهن رحى الذّكريات وقد خرجن بانبطاع يقول: لأننا جئنا إلى هذه الحياة كمجيئ الورود، فلنرحل كما ترحل الورود أيضاً.
مريضٌ عقليّ متهم بالجنون ،برًأ نفسه مؤخراً بشهادة مركز الأمراض النفسيّة والعصبيّة: اقترح عيداً لخريجيّ تلك المراكز، لأن أعيادهم حقيقيّة وبلا مجاملات.
أحد المدمنين على الأعياد بيّن أهميّة إقامة عيد خاصّ بالماضي، أطلق عليه ((عيد الذكريات)) كزيارة صديق نافسته الأيّام وغلبه الفراق، أو ارتياد أماكن طفولةٍ شاخ أصحابها وبقيت هي فتيّة بأطفال آخرين، أو دعوه لافتراش حقيبة الرسائل الورقيّة والمقتنيات المختلفة، كمذياع صغير ذاب مؤشره واختفى، أو قلم حبر جفّت محبرته، أو ساعة يد آليّة تنتظر من يقرنها، والكثير … الكثير من الأزهار المجفّفة وقوارير عطر تلهث ببقاياها التي تصبر على البقاء.
تلك الأغراض مجتمعة تتكفل بإزالة صدأ أيام كانت قبل صدئها كالماء لمن يريد الارتواء، وضوءاً لمن غشيته الظّلمة، ولكن… هيهات، فالصدأ مازال، وعودة الذكريات تنتظر مصادفة تأتي أو لا.
ولكن السؤال: هل نستحقّ عودتها بعد أن تكسّرت لقاءاتنا بالتفاصيل اليوميّة الرماديّة، وأشياء أخرى لم تكن موجودة قبلاً؟!

سمير عوض

تصفح المزيد..
آخر الأخبار