العدد: 9458
الأربعاء :30-10-2019
يدعون بأن فرص العمل للفتيات أوفر حظاً من الشبان، فالسؤال الواقع على كل واحدة منهن في المسابقات الشفهية للعمل لا يتجاوز (كم شهيداً في الجزائر)، ليأتي دور الشاب ويكون عليه أن يعدهم بالأسماء، وعلى هذا ومثيله تنجح الفتاة ويبقى الشاب يبحث في الضيّقات والمضيقات عن عمل يكون فيه رجلاً ويحقق الأمنيات والطموح، أما هي فتسعى بالطول والعرض في مساحات البيت والعمل ومسافات تفصل بينهما طرقات لتوازن بين مسؤولياتها في البيت وأخرى يستوجبها العمل والدوام فيه، حتى لو وصلت لحالة الإرهاق، فهي لا ترضى أن تكون حبيسة البيت والجدران في ساعات انتظاره حتى لو كان عملها في المساء فلا إحراج وهي (قدو وقدود ستتعود عليه)، فالبيت في كفة وعملها في الكفة الثانية.
السيدة أمل حواط، ممرضة في المشفى، ودوامها مسائي وهي من رضيت لنفسها واختارت هذا الدوام، وتعده الأفضل لها ولبيتها وأولادها، إذ أنها تداوم ليلة واحدة كل خمسة أيام وباقيها في البيت وعند الأولاد تلبي طلباتهم وترعاهم وأمام ناظريها يكبرون، ولا تترك تربيتهم لغيرها، تقول: يوجد دوام صباحيّ، لكنه كل يوم من الثامنة وحتى الثانية والنصف، وأنا أسكن في القرية والمواصلات مشكلة ليس فيها حل فقد أنتظر ساعة وأكثر في الكراج فأصل لبيتي منهكة ولا وقت لدي غير الجري للقيام بواجباتي لعائلتي، لهذا كان الأفضل دوام المساء، صحيح أني أتعب من السهر لكن الشغل قليل إن لم يكن فيه مريض تعبان ويشكو الآلام، فالمرافق يقوم بكل ما يلزمه وأنا علي مساعدته حين يطلب كما أعطيه الدواء وأنظر في حالته إلى ساعات الصباح، إذ أطلّ عليه بين الحين والآخر، وفي الثامنة أذهب للكراج ويكون السرفيس في انتظاري ولا زحمة عليه، كما أني حين أتي للدوام وقت الظهيرة يكون السرفيس أيضاً في انتظاري فلا ركاب للمدينة في ذاك الوقت فأكون مرتاحة ولا أهدر وقتي على الطرقات، ويكون لبيتي وأولادي وزوجي كل الوقت ولم يشتك منهم أحد أو يرميني الكلام بأني مقصرة.
السيدة منى أصلان، تعمل في المخابز وقد يأتيها الدور أن يكون عملها مساء كل يوم، وهو ما يصيبها بالتوتر والتعب والإرهاق، فساعات الليل هي للنوم، وترجع في الصباح بأول سيارة تقلع من الكراج باتجاه قريتها، ولكنها لا تلحق بصغارها الثلاث لتراهم قبل ذهابهم لمدرستهم، ولا زوجها الذي أبكر الرحيل إلى وظيفته، وترك كل شيء على ما هو عليه دون رادع منه ولا اهتمام، فتجد الثياب منثورة على الأرائك وفي غرف النوم، والأطباق والصحون في الصالون والأحذية قد وصلت إلى الباب، تقول: لا أعرف الأولاد إن تناولوا إفطارهم فهو يعطيهم مصروفهم ليشتروا من البائعين المترصدين بهم على الباب، وأنا أرفض الأمر بالتمام، لكني لا أكون موجودة لأوصيهم وزوجي دائم التأخر في النوم يستيقظ على منبه الموبايل ورنينه عندما أتلفن له وألح عليه للقيام، فيسرع لإيقاظ الأولاد ويشرب قهوته ويذهب دون سؤال منه لأمر الأولاد، هذا ما ينغص عيشي عندما يكون دوامي ليلاً، وكل تعبي يزول عندما أراهم يعودون، حتى لو لم أكن قد نلت كفايتي من الراحة والنوم وقد حضرت لهم ما يشتهون ويفرح قلوبهم الصغيرة، أجد نفسي متعبة دائماً ومنهكة وقد أصبت مؤخراً بالسكري ورغم كل ما يصيبني لا أرضى ترك وظيفتي ومصدر عيشي.
إحدى المطربات ولا تريد ذكر اسمها في الجرائد بحجة أنها لا تريد الظهور والإشهار فهي مشهورة ومحبوبة دون دعاية أو إعلان، فصوتها الجميل والرنان يصل لكل آذان ويطربها حتي يشدو العصفور والحسون في ساعات الصباح، تقول: أغني في المطاعم التي تقيم الحفلات لكن ليس كل يوم، فقد يكون يومان وثلاث لي فيهم غياب عن منصة الطرب والغناء، وقد يكون كل يوم في المناسبات عندها يكون التعب والإرهاق من الضجة والسهر الطويل وأعوضه في النهار على حساب البيت وابني الذي أصبح اليوم في الصف السابع، فزوجي قد غادرنا وغاب ولا أعرف له جهة أو مكاناً، وأنا في الحفلة لطالما أطمئن على صغيري برنة موبايل كما أوصي جارتي أن تطرق الباب عليه خوفاً أن يخرج ويلهو مع الأصدقاء، الحمد لله ابني متزن وواع وأردد على مسامعه بأنه رجل وكبير، وهو مجتهد ويريد أن يكون طبيباً في المستقبل، كما أنه يساعدني ولا يقصر في أعمال البيت من تنظيف وترتيب، ولا يحب الفوضى فأرجع إليه وكأني كنت فيه لم أغادره، حتى أنه قد نظف الصحون ومسح الطاولة والأرض، لهذا أظن أن الدوام الليلي أفضل من دوام صباحي في وظيفة تقضم جل ساعات النهار فلا تلحق السيدة فيها أن تقوم بكل مهامها ومسؤولياتها لأجل بيتها وعائلتها، كما أن لكل عمل أو وظيفة مفرداتها وأولوياتها وأوقاتها، والكثير منا يحب العمل في ساعات النهار لكن عملي ليس فيه من وقت غير المساء.
صباحاً ومساء هي المرأة في كد وكدر وتعب ولا ينتهي عندها يوم العمل داخل البيت وخارجه، وقد لا تجد وقتاً فيه الهنيهة لترفع رأسها، وتسأل كم الساعة وفي أي وقت نحن؟
هدى سلوم