هـــل أنت مدمـــن على العمـــل ؟

العـــــدد 9456

الإثنين 28 تشرين الأول 2019

 

كلنا موظفون وأصحاب أعمال وأشغال، وترانا نعمل ليل نهار في وظيفة واثنتين لأجل كسب كفاف يومنا خاصة في هذه الأيام المستعرة بالحاجات والطلبات، نعمل بضمير وإحساس بالواجب، لكن ضمن زمن معين وساعات الدوام حتى ترى الأغلبية قد أعدت نفسها وتأهبت للنهوض والخروج وقد وضبت أغراضها على (تك تاك توك) ساعة في يدها وأمسكت بمقبضي محفظتها لتجري مسرعة نحو باب المصعد الذي تكدس عنده العشرات، وكأنه الحشر ليخرجوا من المبنى أرتالاً بأخماس وأرباع، ولا نقصد بهم التقصير، لكن هناك في كل مؤسسة أو دائرة وغيرها في الأعمال الحرة ومناكب الحياة أناس أحبوا عملهم والشغف يملأهم ويحيط بأقطارهم، ولك أن ترجع وتراقب بعضهم وقد غفل عن ساعة الخروج ولم يكن بين زملائه يحوص، رفع رأسه ليجدهم خارجين فيلّم أوراقه ويأخذها معه للبيت وهناك تبدأ المشكلات حيث صمته يصرخ بالجميع سكوت، فيعلو صوت وسط صمته المستوحش (حتى ع البيت جايبلي الشغل).
نسمع عن إدمان (المشروبات، النت، التسوق، ..) لكن لم نعرف أن في أعمالنا إدماناً وبيننا وبينها شغف وحب يسكننا ويبعدنا عن الأهل والأصدقاء وحتى يبعد المسافات بيننا وقد يفرقنا ونكون ضحايا إدمان عملنا، يعرف الطبيب النفسي روبرت برونسون الإدمان على العمل أنه (التفكير بالعمل في لحظات الراحة وممارسة الرياضة).
السيدة سناء رجب، موظفة تسارع إلى البيت بعد انتهاء ساعات العمل لتتابع مسؤولياتها هناك، لكن ما يقلقها أمر زوجها الذي يتأخر في المجيء ويجوع الأولاد ويملون من انتظاره لتناول الغداء، وإن جاء تراه محمّلاً بالأوراق حيث ينصب تفكيره ونظره في دفاتر يحضرها معه من دائرته، ولا يلتفت لأمر أولاده فهو ينكب دائماً عليها ولا ينطق بجواب أو يرد على سؤال.
تقول: إن سألته أن نترافق بمشوار أو زيارة للجيران فليس لغير الصمت عنده آذان، وإن يرد بعد الإلحاح يقول: عندي شغل، الأولاد بحاجة إليك، يرد (أنت بتكفي وبتوفي ياعيني عليك) أقول له بعتب ولوم: ماذا تنفعك الوظيفة، ولماذا رفاقك غير ذلك ؟ برجع بالرد: (شغلهم غير شغلي)، وأنا أقول: وظيفته هي ضرتي تأخذه مني وتبعده عني.
السيدة نجلاء محمد تعمل بصنع الإكسسوار بشغف وإلهام بعد عودتها من وظيفتها، وتحاول قدر الإمكان توفير الوقت لصناعتها ولو على حساب بيتها وأهلها، فقد تنسى مواعيد صادقتها مع رفيقاتها أو حتى زوجها، وتترك بعض أعمال الترتيب والتنظيف التي يتطلبها بيتها وتؤجلها لحين، تقول: لا أهمل وظيفتي وليس فيها جهد أو تفكير، عملي في المكتب بسيط، لكني أفكر وأنا جالسة فيه ماذا يمكنني أن أصنع اليوم وكيف هو الشكل واللون، وماذا أجلب معي لأجله من السوق؟ يشغلني الإكسسوار والذوق فيه، أحب أن يكون بأعلى درجة من الجمال والإتقان، فأنسى نفسي معه وأسرح معه بمتعة واستجمام.
الدكتور جمال أشار أنه يحب عمله ولا وقت عنده للمجاملات والتسليات، كما أن عمله واجب لا لعب فيه ولا هوان، يقول: حياة الناس وأرواحهم تتطلب الإسراع عند كل نداء ولو كنت في زيارة لأقربائي وبيت حماي، معظم وقتي في المشفى والعيادة التي تأخذ ساعات النهار كلها وحتى بعض ساعات من الليل، ولأجل أن أزيح الهم عن قلبي وأشيح بوجهي عن عملي ويكون لزوجتي وجهتي وكل اهتمامي أقفل الموبايل وأجلس بجانبها، أفكر كيف لي أن أتدبر أمري غداً مع الوقت وأحسبه لكن لطالما هناك طوارئ ومفاجآت وتأتي حالات إسعاف حتى في منتصف الليل، لأفز من سريري مسرعاً حتى لو كنت في غلبة نعاسي، أحب عملي وأنشغل فيه، وقد صرفت سنوات من العمر في الدرس والاجتهاد لأكون في ذلك العمل والمقام، وتعلم زوجتي ذلك وليس لها أن تنزعج وتوقع علي الملام، أخلفت بمواعيدي معها كثيراً وهيهات أن ألقى عتاباً بل هو الشكر والامتنان.
السيد معتز الأخرس، علم نفس قال: إذا كنت تقعد في العمل لساعات طويلة وتتأخر عن البيت ويمنع سعادتك مع الأهل والأصدقاء إذ لا تراهم غير في العطل والإجازات، وتكمله في البيت وإن تحدثت معهم يكون العمل فيه فأنت مدمن عمل، ومن صفات المدمن على العمل: مندفع، طموح، منافس قوي، محب لشغله، ويكثر إنتاجيته.
ولهذا الإدمان مخاطر لا يستهان بها فقد أكدت دراسة يابانية أجريت على شريحة كبيرة من الموظفين لمعرفة تأثير البقاء في العمل لساعات طويلة، فكانت النتائج: أنهم أكثر عرضة لخطر الموت بسبب الإرهاق، وفي دراسة نروجية: هم يعانون من اضطرابات نفسية وعصبية مثل: الاكتئاب والتوتر، وقد يصل إلى الوسواس القهري، واضطراب في النوم كما يعاني من عدم الاستقرار الأسري والمشاكل الزوجية وقد تصل للانفصال والطلاق.
من النصائح في هذه الحالة: لا يقلقك الأمر وحاول العدول عن هذا الفعل وليس بالإكراه، تحتاج للإرادة فقط وإغلاق الموبايل فلا تضطر لأعمال زائدة، وخصص بعض الوقت للزوجة والأولاد وحتى الأصدقاء، فليس العمل كل الحياة ساعة لعملك وساعة لنفسك وعائلتك، وحدد وقتاً للجلوس مع العائلة ودون إزعاج الموبايل، واقتسم بعض الوقت لنفسك لقراءة أو رياضة تشعر فيها بالراحة والاستجمام، ضع خطة وجدول فيها ساعات عملك ولا تكثر في المهمات.

هدى علي سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار