العدد: 9455
الأحد: 27-10-2019
تعد مرحلة الطفولة الأهم في تشكيل وبناء الشخصية وما يتبعه من اهتمامات وميول بحسب ما تختزنه ذاكرة التعلم لدى الطفل من خلال ما يتم تلقينه وزرعه في عقله، ولا يخفى على أحد دور وسائل الإعلام وبرامج الأطفال في بناء الشخصية وتشكيلها حسب الرغبات والأهداف المطلوبة والتحكم بها لتكون لبنة التوجه للمستقبل، فالإعلام يتحكم بتفاصيل حياتنا اليومية كونه يفرض حضوره بشكل حتمي لتواجده معنا على مدار الساعة وفي جميع الأمكنة، فالشاشة الصغيرة معشوقة الصغير قبل الكبير بإغراءاتها الكثيرة من برامج وأفلام صنعت لغايات مدروسة بأيادٍ خبيرة لتحقق نتائج مضمونة كنوع من الغزو الفكري المتراكم بالتكرار والكم الذي يؤدي للتقليد والاعتماد المطلق للمغزى الموضوع لأجله. واللافت في هذا المجال انتشار القنوات المتخصصة والموجهة للأطفال وعلى أقمار عربية تبث برامجها لجميع منازلنا في العالم العربي لتقدم وجبات جاهزة دسمة بمذاق وشكل جذاب تغري بالمشاهدة والمتابعة وجلها واردة من بلدان مغايرة لعادات وتقاليد وأعراف مجتمعنا وأغلب هذه البرامج إن لم يكن جميعها محظورة العرض لأطفال بلدانهم لتدني مستواها الفكري وعدم جدواها في التنشئة السليمة، حيث تمتلئ أفلام الرسوم المتحركة بأشكال غريبة مشوهة منفرة وخارجة عن المألوف مع كم كبير من العنف والقتال والخيال اللا محدود الذي يقود أغلب الأطفال إلى الأحلام المزعجة والخوف أثناء النوم، ناهيك عن الألفاظ والعادات السيئة التي يحفظها الأطفال ويرددونها بدون معرفة لمعناها ومغزاها وتدفعهم بالتالي للعنف بتقليد الشخصيات وأفعالها وطريقة كلامها. أم عمار والدة طفلين بعمر ٦و٣ سنوات تستغرب غياب الرقابة عن تلك القنوات الموجهة للأطفال وسماحها بعرض هذه النوعية المتدنية من البرامج التي تزرع العنف لدى الجيل وتؤثر على سلوكهم بتقليد الشخصيات وتتساءل عن السبب في شراء هذه النوعية وفقدان الأفلام المصنعة عربياً وفق عاداتنا وتقاليدنا العربية وإغناء شخصية وفكر أطفالنا بالقيم والأخلاق والهدوء. بدورها أم علي والدة طفل بعمر ٥سنوات تؤكد خطورة ما يعرض على شاشاتنا من برامج أطفال وافدة من الغرب تبث السم في العسل ببرامج وأفلام تستهوي الطفل العربي في ظل غياب البديل المحلي حيث تجد صعوبة في منع طفلها من مغادرة شاشة التلفاز فتراه ينتقل من محطة لأخرى لساعات طويلة مع تواجد المادة التي يرغب بمتابعتها باستمرار، وأشارت أم نايا أن ابنتها ذات ال٧سنوات تصر على تقليد بطلات مسلسلاتها المفضلة باللباس والتسريحة وحتى الكلام لدرجة أنها تصر على صورة بطلتها على قالب كاتو عيد ميلادها وارتداء ثوب كثوبها حيث تجد نفسها مضطرة لمجاراة رغبتها مع الإصرار والبكاء فهي مثلها وشبيهتها على حد قولها. ويصر أبو محمد على مراقبة ومتابعة كل ما يشاهده أطفاله من برامج أطفال حيث اكتشف كما قال بالصدفة مشاهدتهم لفيلم موجه بأفكار مغايرة لعاداتنا مع رموز وإشارات مسيئة لمنظمة عالمية مسيطرة تحاول فرض تعاليمها ورموزها في مخيلة الأطفال لتلقى القبول والرسوخ في تفاصيل حياتهم لذلك شرح لهم خطر هذا الأمر وفرض عليهم برامج محددة بحزم خشية من خروج الأمر عن سيطرته فهم أمانة وعليه الحفاظ عليها وتربيتهم بشكل صحيح ليكبروا بفكر نظيف واعي ودعا الأهالي لحذو حذوه ومراقبة ما يشاهد أطفالهم. من جهتها دعت المربية فريال بلول إلى ضرورة إغلاق المحطات المسيئة لفكر مجتمعنا وإطلاق محطات عربية مسؤولة ومختصة تقدم برامج موجهة بطريقة جاذبة للشريحة الأهم وهم الأطفال حتى عمر ١٤ عاماً لاستجرارهم لشاشاتها ونبذ كل ما هو وافد بأفكار مغرضة فسوق الإنتاج الإعلامي للأطفال يجب أن يأخذ حقه ويفرد له الإمكانيات والميزانيات الكبيرة لأن الشاشة الصغيرة يجب أن تكون مرجعاً ومنبعاً لتقديم الثقافة والتربية الصحيحة وفق قواعد مجتمعنا وفرضها في قالب الترفيه والتعليم بالصور المتحركة المحترمة بشكل لائق ومحبب وجاذب للمتابعة، واستذكرت بلول مسلسل افتح يا سمسم و مسلسل كان ياما كان كمثال على البرامج الراقية التي لاقت القبول والمتابعة منذ سنوات عديدة وحتى الآن. ختاماً، الغزو الفكري المدسوس عبر بعض قنوات الأطفال يجب أن يلقى المتابعة والاهتمام والإصرار على الهجر والإلغاء وإقناع أطفالنا بضرر ما يقدم وأثره المستقبلي على نشأة الجيل ولنبدأ بحذفها عن شاشاتنا وإلهاء أطفالنا بطرق أخرى أجدى وأضمن وأمتع فبالحب والاهتمام نصنع المستحيل والطرق مفتوحة للوصول.
ميساء رزق