العدد: 9454
الخميس:24-10-2019
للأجيال القادمة علينا حقوق مؤكدة، لا تَبْرَأ ذممنا منها عند الله ولا تُسقط شهادة التاريخ علينا بها، إلا إذا أدّيناها لهم كاملةٌ غير منقوصة ولا مبخوسة، من أجل أن نعدّهم للحياة على غير الطريقة التي أعدّنا بها آباؤنا للحياة.
الأجيال ترثُ عن بعضها: الأخلاق والآدب، الأفكار والاتجاهات العامة، لقد ورثنا عن آبائنا الأشياء لأنهم عاشوا فقراء وماتوا فقراء، فمنّا البعض وَرِثَ آداباً لا تستقيم عليها حياة، وأفكار بدائية لا تجول في المدار الواسع من الحياة، وعقول تُقدِّر وتُخطىء، وتُدبِّر فتبطئ باتجاهات خاطئة وأصبحنا غرباء عن عصرنا وأهل عصرنا، فهل يجوز أن نوّرث كل ذلك لأجيالنا القادمة بعد أن علمنا علم اليقين بعدم كفايتها للحياة.
ما زال جيلنا يتعثر في أذيال الماضي، ويتخبط في ظلمائه، ويحمل من أثقاله ما يهدُّ حيله، لذلك حرامٌ علينا أن نرضى للجيل الآتي بما لم نرضَ به لأنفسنا، وأن نجرعهم هذا الحنظل الذي تجرعناه، وأن نلوث نفوسهم البريئة بهذه القاذورات، وأن نبتليهم بما ابتلانا به آباؤنا من تفرق مُهلك، وأنانية كاذبة، والغرور، والتنكر للقريب، والخضوع للغريب.
السبيل الوحيد والقويم الذي يؤدي إلى حفظ الجيل الجديد من هذه الشرور المتوارثة، وإلى توثيق عرى الأخوة بين أفراده، وإلى توحيد أفكاره، ومشاربه واتجاهاته، وإلى تصحيح فهمه للحياة، وتسديد نظرته إليها، وتشديد عزيمته في طلبها، هذا السبيل هو المدرسة التي تصقل الفكر والعقل واللسان، وتسيطر عليها.
فغاية التربية والتعليم توحيد النشء الجديد في أفكاره ومشاربه، وضبط نوازعه المضطربة، وتصحيح نظراته إلى الحياة، والتفقيه في الأخلاق والآدب واللغة، وهذا تكفير لسيئاتنا. وهذا ما يتطلب توحيد المناهج، وبرامج التعليم، ولا يتم توحيد المناهج والبرامج إلا بتوحيد الإدارة، التي يجب أن تكون متخصصة ذات خبرة، كافية ووافية، وتوحيد الإدارة يتم بتوحيد الإشراف العام، وتوحيد الغايات يأتي بتوحيد الوسائل من أجل أن يعلم الجيل الناشئ أن الخير كل الخير في الاجتماع، وإن القوة كل القوة في الاتحاد، وأن الخروج عن الخطوط العامة للمجتمع أهلكَ منْ قبلنا وهم في نهاية القوة، فكيف لا يهلكنا ونحن في نهاية الضعف، هذا ما نريده ونبتغيه لأجيالنا القادمة إلينا، وهي واجباتنا تجاه حقوقهم الطبيعية في الحياة الكريمة والسليمة.
حسن علاَّن