الديــــــن ممنـــوع والعتــــب مرفــــوع .. ولك يــــوم حســـاب!

العدد: 9453

الأربعاء:23-10-2019

 


هذه العبارة التي باتت إعلاناً صارخاً للعيان ويطبق في كل دكان، والخط فيه (خرابيش جاج) لا ينفك بغير تهجئة فيها هجاء على كرتونة بقياس خجول صغير ليس فيه شكل هندسي متساوي الزوايا أو الأضلاع، بل فيه التحديب والتجديف والتمرير ولو كانت الحالة تقتير للوصول إلى الديون الفائضة كل شهر في دفتر حساب مختوم ومحزوم بالأرقام وقد تراكمت بقهر وتنكيد لتكف ذات اليد وتضيق عرى عيشها، فترى الكل يتسلل إلى بيته وينسل بخفي حنين فلا يراه جاره (أبو تحسين) صاحب المتجر والدكان الذي منه استدان، لكن إلى متى و قد جاء يوم الحساب؟

علي حلوم، موظف: غير بالدين لا نقدر أن نعيش، جربنا كل الطرق لأن لا نستدين وجميعها فشلت وخسرنا معاركنا مع الضيق الذي نعيشه، مجبر أنا على الدين والاستدانة من الدكان كما غيري من الأهل والجيران والأصحاب ورفاقي في الوظيفة والعمل، كلنا نفس المشكلة والعذاب، راتب ضعيف ينقصم ظهره في الأيام الخمسة الأوائل من الشهر ويقصف عمره بند المشتريات التي باتت على مبيعات وصرف الدولار (الله يهدو) فمتطلبات الأولاد والزوجة وحاجات البيت تدفعنا لأبي سليم ودكانه (يكتر خيرو عم يطول بالو علينا) الذي فيه كل ما نوده ولو كان بالدين، لكن سقفها قد طال منا الهدوء والسكينة لنكون في رزيلة الحاجة والعجز عن التسديد في مرماها، وضرباتنا مهزومة ولو كانت بجزاء، نسأل الله الفرج.
ماهر سلهب، موظف: قال الإمام علي كرم الله وجهه: لقد ذقت الطيبات كلها فلم أجد أطيب من العافية، وذقت المرارات كلها فلم أجد أمر من الحاجة إلى الناس، وحملت الصخر والحديد فلم أجد أثقل من الدين.
40 ألف ليرة راتبي ماذا تفعل؟ مهما حاولت التقتير والتقصير على حساب البيت وطلبات الأولاد فإنك منهم مهان وموجع هذا الأمر عندما يطلب منك ولدك شيئاً ولا تستطيع رده، فلن تفلح في القسمة والحساب والحل مستحيل بغير الدين، فثوب الراتب كموضة هذه الأيام فيه الكشف والتشمير والستر معجزة وقميصه قد انكمش وتمزق وانكشفت صوره على الجميع، ولم تعد الديون في الدكان القريب من البيت بل استطالت وتطاولت على دكاكين الحي القريب بعد أن امتنع جارنا من التسليف، وعجزت عن التسديد، حتى أن لكل ما نحتاجه في متجر ودكان يكون لصاحبه علي دين، من محلات الألبسة والثياب والأحذية إلى الفروج واللحمة عند أبو كمال، حتى الصيدلية نلجأ إليها ونحصل على الدواء بالدين، ونضرب كفينا بالطول والعرض ونقول: انظرنا لآخر الشهر، مساكين نحن، لقد اكتسينا بثوب الدين والهم والغم ننام على شوك وجمر، يلسعنا كل يوم ونقول: الرحمة يا الله.
سماهر الجردي، مهندسة: لا نكاد ندخل دكاناً حتى يهاجمنا صاحبه بأنه قد فرغ الدكان ويحتاج لسيولة، فديون الناس قد نالت من رأس ماله ولم يعد يستطع شراء بضاعة جديدة من التجار والوكلاء، حتى أنه وضع لافتة من كرتونة المنظفات كتبها بالخط العرض (ممنوع الدين) لنستحي ونحيد، ونحن لا حيلة لنا على سداد ديوننا التي انتشرت في كل دكان، نخجل ونطرق رؤوسنا في الأرض وسرعان ما نرفع بصرنا عليه لنبشره ونتمتم غداً أول الشهر فجيوبنا خاوية ونلنا ما في حصالات الأولاد، هذا غير ما اقترضناه من البنوك وما تيسر من جمعيات الأصدقاء والتمويل، لم نترك فرصة أو منفذاً إلا لنا أن نستهلكه، ونقترض آخر لنوفي الأقساط والجزئيات من راتب تهالكت قواه وبتنا نقسمه على الحاسبات بقوانين وأولويات، فلم تعد حساباتنا بالورقة والقلم تجدي ونخطئ في جبر خاطر أي بائع لم يطالب، لنستقواه ونجتاز امتحان ومحن الشهر.
البائع أبو محمود صاحب سوبر ماركت: (ما في حدا غير مديون من جيراني) ودفاتري تحتوي على أسمائهم جميعاً، وكل منهم استحوذ على صفحات وليس بصفحتين ينتهي أمره، هم يحتاجوننا لبعض أشيائهم وكفاف يومهم، ونحن نحتاجهم لتصريف بضاعتنا والاستمرار بعملنا لرزقنا فيه، لكن الأمر زاد عن حده والبضائع قلت في الدكان لعجزي عن دفع فواتير التجار، لهذا وضعت لوحة بوجه كل زبون يدخل بابها تهمس في نفسه مواجعي دون أبوحها فالثقة بيننا هي الضمان، كما أن طيبة قلبي وإيماني بأن أخفف على الناس ليخفف الله عني جعلني لقمة طرية ومقصداً لهم للدين والإفراط، بعضهم يدفع كل آخر شهر وآخرون يتمهلون ويماطلون ليدفعوا بعض النقد، وهنا يتراكم الدين والشاطر من ينال ولو بعضه (الله يفرجها على الجميع).
توجهنا بسؤالنا للأستاذ أسامة عبد الله، اقتصادي يعمل في شركة خاصة من سنوات، وقلنا في شكوانا: نعيش بضيق شاسع ومن المعجزة أن يكفينا الراتب الهالك المتهالك قبل آخر الشهر، فعلنا المستحيل وأخذنا بتجارب الأولين وخطط أهل الاقتصاد ومن يعبث بها ولو كانت في المريخ حيث لا راتب ولا أسواق وجميعها لم يكن فيها فلاح، غير أن بعضهم يبث مثبط أمل ورجاء في عمل آخر يستحوذ فيه على بعض التوفير ولو في بيتك نفير، فماذا عندك من برامج وخطط للتوفير؟
في هذا الزمن من الصعب والوضع حرج، لكن يبقى بعض البصيص عند بعضنا في نصائح لتوفير وادخار الأموال لدى الموظفين: يواجه الموظف اليوم صعوبة حقيقية وموجعة في نفاذ الراتب قبل نهاية أيام الشهر مما يدفعه لمواجهة أزمات مالية ليقع في فخ الدين والاستدانة والعجز عن تسديده وليس باليد حيلة غير العمل الثاني والتوفير منه ولو بقليل حيث عليك عندها أن تطور خطة ادخار وهي واجبة عليك لأجل الظروف الطارئة، بل ادفع نفسك للادخار وثبته في رأسك مشروعاً دائماً كما الإنفاق، حيث تحول جزء منه في الحصالة أو دعه في الصراف والمصرف ولا أخذ الراتب كله، ولتكن لديك وديعة شهرية وهي ما يمكنك أن تعتاد على الادخار كما يحول عنك الإنفاق فتعتاد على الادخار وتمنع نفسك عن التسوق، وضع نقودك في حصالة للطوارئ وعليك أن تدخر مبلغاً ولو كان بسيطاً لأجل الحالات الطارئة المؤلمة والسعيدة وتكف يدك عنه، واحضر وجبتك معك إلى الدوام ولا تشتريها من السوق فالوجبات السريعة من المتاجر والسوق ترهق الراتب وتثقل عليك، ومارس رياضتك في الدوام وتجنب النوادي وتكاليف الاشتراك الشهرية يمكنك التوجه لعملك سيراً على الأقدام.

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار