حرائـــق القرداحــــة: أكثـــــر مــــن 800 دونــــم و400 متضـــرر عمــــال الإطفـــاء: اللباس سيئ ويوم كامــــل مع النـــــار بـ 490 ليرة!

العدد: 9452

الثلاثاء: 22-10-2019

 

من أكثر المناظر ألماً ووجعاً للروح والقلب مناظر تلك الجبال الشامخة التي اكتست بالسواد الحزين بعد أن كانت تتزين بالخضار وتتغنى به وذلك بعد الحرائق الحراجية التي طالت العديد من المواقع الحراجية والزراعية في منطقة القرداحة.
ومهما كان الحديث طويلاً والوصف بليغاً للوضع الذي آل إليه الواقع فإنه يبقى مجرد وصف لجزء صغير من الصورة الحقيقية والجزء طبعاً لا يظهر مدى واقع الصورة المؤلم كاملاً ولا تلك النكبة التي وقعت على الناس وحزنهم على موارد عيشهم وأرزاقهم التي أفنوا أعمارهم في خدمتها وتهيئتها لمواسم العطاء لتأتي النار وتلتهمها بلمح البصر.
وللاطلاع على الواقع بشكل كامل وخاصة بعد أن خمدت غالبية الحرائق زرنا دائرة زراعة القرداحة والتقينا فيها المهندس نزيه سلطان رئيس الدائرة والذي كان يستعد للخروج بجولة ميدانية للاطلاع على الواقع والاطمئنان إلى أن كل شيء عاد تحت السيطرة بعد جهد طويل وصراع مرير مع ألسنة اللهب تم الانتصار عليها بفضل الله ورجال الإطفاء الشجعان وتوجيهات المهندس منذر خير بيك مدير عام زراعة اللاذقية والذي واكب مراحل العمل لحظة بلحظة وبكل اهتمام.
رافقناه في جولته مع بعض المهندسين الزراعيين الذين يعملون بجهد متواصل لتقديم مسوحات كاملة لكافة الأضرار التي ألمت بالناس والطبيعة.
وقد أكد المهندس سلطان أنه تمت مواجهة الحرائق الملتهبة والتي التهمت الكثير من الأراضي الحراجية والزراعية وذلك بعد اندلاعها في نقاط متعددة بفعل الرياح القوية والجافة التي ترافقت مع ارتفاع شديد في الحرارة وساهم في انتشارها كثافة الأشجار الحراجية وصعوبة الوصول الى التضاريس الجبلية القاسية حيث كانت النار تندلع مجدداً مع كل هبوب للرياح وأضاف: بلغت المساحات المتضررة حوالى الـ٨٠٠ دونم موزعة ما بين أراض زراعية وحراجية وقد توزعت الحرائق في أماكن متعددة أهمها وأخطرها في قريتي عنانيب وفرزلا والتي بقيت النار فيها مشتعلة ثلاثة أيام وصعبت السيطرة عليه بداية لصعوبة تضاريس هذه القريتين بالإضافة إلى حرائق في قرى عين جندل والشويخية والمصيص والسراج والخشخاشة واللدينة ورويسة بدرية وكلماخو وبسوت وقد بلغ عدد المتضررين نحو الـ٤٠٠ مواطن وغالبيتهم من أسر فقيرة تعرضت مزروعاتهم وغالبيتها زيتون وأشجار مثمرة أخرى للحرائق والنيران، وأشار إلى أنه يتبع لشعبة الحراج في القرداحة ثلاثة مراكز إطفاء موزعة في القرداحة والقليلة وقلعة المهالبة وأكد أن جميع آليات الإطفاء كانت تعمل بوتيرة جيدة ورجال الإطفاء قدموا كل ما باستطاعتهم وبذلوا جهوداً عظيمة لحماية المنطقة وإطفاء الحرائق ومنعها من الانتشار، ورغم ذلك تمت مؤازرة فرق الإطفاء بفرق من محافظات طرطوس وحماة ودمشق وريفها.
وبخصوص الطرق الزراعية وهل من تقصير في تنفيذها أجاب السيد سلطان بأن شق الطرق الزراعية والحراجية يتم وفق خطة من الوزارة وحسب الإمكانيات الموجودة نتقيد نحن فيها خلال شق الطرق الزراعية وصيانة الطرق القديمة وتعزيلها، لافتاً أنه يوجد تخديم جيد بالطرق الزراعية والمحاور الجانبية وخطوط النار التي تفصل الجوانب عن بعضها ضمن المنطقة.
وخلال الجولة إلى مواقع الحرائق التقينا مع بعض المواطنين المتضررين منهم السيد كاسر حليمي من قرية عنانيب والذي قال: حولت الحرائق جبالنا إلى منطقة منكوبة فقد كانت أراضينا وأرزاقنا في قلب النار ولم ينجُ منها إلا القليل القليل حتى الغابات التي يزيد عمرها عن المائة عام تحول معظمها إلى أرض محروقة لا حياة فيها مضيفاً أن النار كانت تنتشر بسرعة وتلتهم الأخضر واليابس أمامها وفي كل هبوب للريح كانت ألسنة النار تتصاعد مجدداً حتى اقتربت من المنازل ووقفنا مكتوفي الأيدي وعاجزين عن تقديم أي نفع أو فائدة، وأنا أحد الناس الذين أحاطت النار بأراضيهم من كل حدب وصوب وكانت مزروعة بالزيتون والذي يزيد عمر أشجاره عن ال٢٥ عاماً بالإضافة للجوز والأشجار المثمرة الأخرى.
وقال: نتمنى من المعنيين شق المزيد من الطرق الزراعية والحراجية وتوسيع الطرق التي شقت منذ سنوات طويلة ومن ثم أهملت واستكمال المتبقي منها.
أما السيد جابر صباغ من قرية فرزلا فقد قال: استيقظنا صباحاً وكأننا في كابوس يبدأ ولا ينتهي لنرى أشجار الزيتون والتي هي موسمنا الوحيد والذي نعتمد عليه كثيراً في معيشتنا قد احترق واحترقت معه الأراضي الزراعية ومواسم الزيتون الذي لم يقطف بعد والغابات وقلوب الناس وكانت سحب الدخان تتصاعد وألسنة النار تكاد تصل السماء.
كانت المشاهد مؤلمة ومؤسفة للغاية وكان أملنا الوحيد في تلك اللحظات أن يتمكن عناصر الإطفاء من إطفاء الحرائق والحد من انتشارها وتفادي النتائج الكارثية المؤسفة دون أن يصاب أحد منهم بأذى، وأضاف: البعض من سكان القرية احترقت أراضيهم بالكامل مثل أراضي هلال سليم وأراضي سليمان محفوض.
وفي قرية رويسة بدرية قال السيد منهل ديب: تلطف الله بنا وبعائلاتنا ومنازلنا حيث اشتعلت النار في وقت متأخر من الليل في أراض زراعية شاسعة يشترك في ملكيتها الكثير من عائلات القرية وتأججت النار ولم يوقف نهمها حتى أتت على أكثر من ١٥٠ دونماً وجميعها مزروعة بالزيتون وكادت النار تقتحم المنازل لولا لطف الله ووقوف أبناء القرية يداً واحدة لإطفاء الحريق كون الإطفائيات كانت تعمل في حرائق أخرى بعيدة فتحولنا جميعاً إلى فرق إطفاء كل فينا يعمل ما يستطيعه للحد من انتشار النار والوقوف في وجه وصولها للمنازل الآمنة.
أيضاً خلال جولتنا التقينا بعض من رجال الإطفاء الذين حملوا أرواحهم على أكفهم وقد نذروا أنفسهم لتنفيذ المهمة التي أوكلت إليهم وحماية كل هذه الغابات والحراج منهما الشابان ماهر رزوق وقيصر جليكو وهما عاملان مرافقان للإطفائية مع السائق مهران ديب وهم من مركز إطفاء قسطل المعاف وجاؤوا لمؤازرة إخوتهم والعمل معهم في إطفاء الحرائق مؤكدين أنهم خلال ثلاثة أيام متواصلة لم يناموا فيها لحظة ولم يتذوقوا طعم الراحة خلالها حيث تنقلوا على كافة مواقع الحرائق في المنطقة متمنين على الجهات المعنية تأمين جرار أوكسجين صغيرة لعمال الحرائق في حال تعرضهم للاختناق والإغماء.
أيضاً السيد باسل خضر وهو المسؤول عن موقع العذرة الحراجي قال: نحن حالياً في وضع استنفار تام لحماية المنطقة وحراستها فيما لو تجددت الحرائق واشتعلت من جديد والإطفائية جاهزة وقد شاركنا فيها بإخماد غالبية الحرائق في المنطقة وكانت أكثر المعاناة في حرائق قرية فرزلا حيث استشهد زملاؤنا والخطورة التي عشناها لا تخطر على بال، وشارك باسل الحديث رجال الإطفاء المتأهبون للتصدي لأي حريق جديد منهم وسيم عيسى سائق الإطفائية وتقي علي هيفا عامل إطفاء مطالبين بإيصال هموم عمال الإطفاء الحراجيين متسائلين لما لا تتم تسويتهم بعمال الدفاع المدني من حيث الخدمة، أي بمعنى احتساب كل سنة خدمة سنة ونصف كون طبيعة عملهم من الأعمال الشاقة والمجهدة والخطرة وأشاروا إلى نوعية اللباس السيئة التي يتسلمونها كل حين وحين ورداءة الكمامات من حيث التنقية وتساءلوا عن أسباب انقطاع كرت اللباس الذي كان يصرف لهم في سنوات سابقة وطالبوا بتعويض مالي وتحسين قيمة إذن السفر حيث أكد الجميع أن آخر إذن سفر تقاضوه كان ٤٩٠ ليرة عن مشاركة ليوم كامل بإخماد حرائق في محافظة حماة خلال العام الماضي.

سناء ديب

تصفح المزيد..
آخر الأخبار