وجع القلب

العـــــدد 9446

الإثنين 14 تشرين الأول 2019

 

كلما رأيت وطني ينزف دماً، ويتألم من طعن الخناجر وشظايا القنابل وهدم المنازل وشكل الخراب والدمار الذي حل في جسده قلبي يتوجع وعيني تدمع، وما أفرزته سنين الحرب الظالمة من قتل وتشريد، وأطفال يتامى يمشون في الشوارع مشتتين ضائعين وتائهين في عتمة الليل بلا هدف يقصدونه، أو ملجأ يأوون إليه فاقدين صحوة العقل والبصيرة والتفكير يخافون من ظلهم الذي يرافقهم بعد فقدان والديهم الذين كانوا كل شيء في حياتهم الماء والهواء ونبضة القلب السليم وهمسة الروح ومباهج الدنيا ورمز وهوية الوجود، وكسيحاً على كرسي متحرك تجره أمه العرجاء يمد يده للتسول ليسد رمق جوعه ويكسي جسمه العريان، وامرأة في مقتبل العمر ترتدي لباس الحداد تبكي على فقدان زوجها وطفلها الصغير تحت الأنقاض وضاقت بها سبل الحياة، وأصبحت عالة على نفسها ومجتمعها وأهلها تجر وراءها مصائب الأيام يتوجع قلبي ويحز في نفسي ما آل إليه حكم القدر، ويزيد من وجعي وبؤسي وألمي رؤية المعاقين بشظايا القنابل ورصاصة الغدر والخيانة، وكوكبة من الشهداء ملفوفين بعلم الوطن محمولين على الأكتاف إلى مثواهم الأخير مع وفود المودعين، وما نقرؤه على رخامة قبرهم من القصص والروايات عن بطولاتهم التي أذهلت العالم وحنت لها الهامات إجلالاً واحتراماً لقدسية الشهادة ومبادئ النضال وحرية الشعوب ولتضحياتهم بأغلى ما يملكون في هذه الحياة الروح والدم والجسد والشريان ليصان الوطن ويبقى علمه خفاقاً في علاه قلبي يتوجع وفي صدري تتقد جمرة الآهات وعيناي تمطر دموعاً ساخنة تجرف وتغسل آثار الندبات عن الوجوه والأخاديد عن الخدود التي حفرها الزمن، وغضبي ينفجر كالبركان ليقضي على من أشعل أو ساهم في إشعال نار الحرب في بلدي سورية بلد المحبة والسلام والحرية والأمان، المدافع دائماً عن حقوق الإنسان والمظلومين والمضطهدين في العالم، وطاب وجع جرح قلبي بالبلسم الشافي في عودة النازحين لحضن الوطن وهم في قمة الفرح والسعادة هاتفين بعد الانتظار الطويل والشوق والحنين عدنا إليك يا وطني الغالي حاملين راية النصر وحمامة السلام وللتبرع بالدم لجرحى الحرب من حماة الديار ولحماية أرضك وعلمك الذي نفديه بالروح والدم ليبقى مصاناً شامخاً خفاقاً مدى الحياة والألسن تطلق زغاريد الفرح والابتسامات ترقص فوق الشفاه مضاءة بنور التفاؤل والأمل، عندئذ صحا الوطن من كبوته وتعافى من جراحه بلقاء أبنائه عائدين إلى حضنه للاحتفال بعيد النصر والمساهمة بالإعمار والانطواء تحت لواء خدمة العلم، وتعافى قلبي من وجعه وطاب من جراحه عندما اطمأن على مستقبل عائلات وأبناء الشهداء من قبل قائد الوطن، الذي اعتبرهم أمانة في عنقه وسيقوم برعايتهم وحمايتهم وبناء مستقبلهم وتحقيق أحلامهم وطموحاتهم في الحياة الحرة الكريمة مضاءة بمشاعل نور العلم والمعرفة وكلما شممت رائحة البخور والطيب والعنبر وسمعت ألحان التراتيل أيقنت بأنها فاحت من مقبرة الشهداء.

عيسى موسى موسى

تصفح المزيد..
آخر الأخبار