لا ينتبــــه رغــم إشــاراتها الحمـــراء.. كيــف لـــه ذلك؟

العـــــدد 9446

الإثنين 14 تشرين الأول 2019

 

بشعر قصير دخلت غرفة الجلوس وعلى عجل عليه، أطفالي شهقوا وأشرت لهم بالسكات وهو منكب على صحيفته، وعندما رميت السلام فتح عينيه عليّ وردّ السلام باستمهال، ولم يرمقني بكلمة زيادة، فاستوحشني الأمر وزفرت سؤالي عليه: ألم تلحظ شيئاً أو تغييراً انظر يا رجل؟! فرد ماذا؟ آه نعم بلوزتك جديدة، مبروكة كم هي جميلة بلونها الزهري، رائق هذا اللون وذوقك جميل.

نعم ذوقي جميل وقد تزوجتك تقول في نفسها.. ارتفع الدم لرأسها لتسكب بعضه ببرود على بلوزتها التي تلبسها منذ سنة ونصف، وتقول: حبيبي ليس هذا انظر جيداً!!

آه أسف حبيبتي أظن أنها المحفظة، ولم تكن بيدي، أرجوك عجلي واحضري الغداء، حينها اشتعلت النيران داخلي وما كدت أنفث حممها حتى صرخ الأولاد نعيماً ماما، لماذا قصصت شعرك الجميل؟ عندها هدأ البركان وهو مستعجب ومستغرب أمر غضبي، فقال: نعيماً وتوكل باستهجان، هو لا يهتم لأمري وحتى أنه لا يراني ولا يشغل باله غير نفسه.. أناني.
هو ما قالته صديقتي ريم وتابعت: لقد كان شعري يصل لأسفل ظهري عندما خطبني ولطالما تغزل به، تزوجنا ثم أتى ثلاثة أولاد، هم نصيبنا في الدنيا والحمد لله، فكان الشغل العارم في البيت والطبخ والغسيل وغيره لتدريس الأولاد وتأمين حاجاتهم والسعي لكسب رضاه ولجم غضبه وتوفير الراحة والسعادة له، عندها لم أكن أجد الوقت لنفسي والاهتمام بها فقررت قص شعري ليكون التغيير في شكلي الذي حفظه والجديد على موضة هذه الأيام، وقد تغير فعلاً بشكلي كبير ليلحظه الأعمى، فكيف له أن يفعل ذلك بي؟
تضحك رفيقتها وترتد بذكراها لما دفن في عراها وبأحسن منها فتقول: أنا قصتي أصعب بكثير والحادثة منذ سنتين، اسمعي..
كان يجلس على أريكته يشاهد برامجه على التلفاز قلت له: إني ذاهبة إلى الكوافير لأقص شعري وأصبغه، فرد بهوان: اذهبي الله معك، فذهبت على عجل قبل عودة الأولاد من مدارسهم، وسرعان ما عدت بخيبتي دون رجاء، وما إن فتحت الباب ولمحني وعنه بعيدة حتى نطّ من مكانه ورشقني ببعض عبارات كان قد حفظها من تلفازه (آه ما أجمل هذه التسريحة، وهذا اللون.. الأشقر بيلبقلك..) فتأجج الغضب في وجهي باحمرار وصرخت في وجهه بقهر قائلة بحسرتي عليه (لم أفعل لشعري شيئاً وهو ما خرجت به وعدت بخفي حنين، اليوم هو الإثنين والكوافير بابه مغلق).
تسترسل إحداهن بضحكتها لتتجه أنظارهن إليها وينتظرنها لتخرج ما عندها وقد أنصتت لهن جميعاً لوقت غير معلوم وتقول: كنا نهيئ أنفسنا للخروج للسهرة عند أصدقاء، فسألته أن يعطيني رأيه بالفستان فقال: جميل متى جلبته، رددت بأنه قديم وفي خزانتي منذ سنين، بدلته وقلت ما رأيك بهذا؟ أجاب وعلى نفس الوتيرة والإيقاع: جميل، متى جلبته؟ فرددت ذات الجملة: منذ سنين، فلبست ما راق لي، لأعود وأسأله: هذه (الكندرة) أم هذه قال: لا اختلاف بينهما.
لا ألومه ولا عتب لي عليه، فكل الرجال على شكله، وكلهم يلاحظون ما تأتي عليه نساء غير زوجته، في العمل والشارع والحي، ليصيح بزوجته ويناديها لتترك من يدها شغلها وتأتي لترى جارتها قد غيرت تسريحة شعرها، أو أنها تلبس رداء جديداً، أو أنه في الشغل كانت زميلته قد أتت اليوم بشكل آخر أو لباس جديد أو .. إنه يلاحظ جميعهن ويترقب فيهن كل جديد ولا يرى في زوجته غير صورة نسخها في ذاكرته بالأبيض والأسود في أول لقاء لهما ولم تتغير حتى اليوم وضمن إطار عينيه.
سمعت صديقاتي يتناوشن باتهامات طويلة وعريضة على رجالهن، لكنها لم تكن غير شكلية وروتينية كما هذه الحياة التي نعيشها، لكثرة انشغالاتها بلقمة العيش والسعي وراء أحلام سحبت بسحبها لبلاد الواق واق ولم ترتد عنها وغاصت فيها لتسكنها بللاً وبرودة وسكون، ولتكون في داخله صورة حفظها عن (ظهر ..قلب).

هدى سلوم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار