العدد: 9439
الخميس :3-10-2019
حديثنا اليوم عن قرية من قرانا الجبلية الجميلة الغنية بإطلالاتها الساحرة ومناظرها الخلابة وأهلها الكرام والذين يطلقون عليها (أيقونة الجبل) وهم الذين تجاوزوا فكرة الوقوف مكتوفي الأيدي منذ زمن طويل بل (دوّروا الزوايا) وهوّنوا الصعاب وليّنوا الحجر الصوان وأتقنوا القوة والإبداع في العمل خاصة عندما عرفوا حاجة السوق الحقيقية وعملوا على تلبيتها رغم وجود العديد من المعوقات والصعوبات وعلموا أبناءهم أن لا مستحيل أمام الإرادة القوية.
وكل هذا الوصف عن قرية جرماتي إحدى قرى ريف القرداحة والتي تشتهر بالعديد من المهن والحرف والتي توارثها الأبناء عن الآباء، يدخلها الزائر ويلمس بنفسه توفر كل الحاجات وأغلب المهن فيها من ورش النجارة إلى الحدادة إلى الألمنيوم إلى العمل بحجارة القطع للبناء وحجار التلبيس الخارجي إلى ورش صيانة الدراجات والسيارات إلى المطاعم الشعبية التي اشتهرت صفيحتها ومناقيشها بكل المنطقة…. حتى لتبدو وكأنها مدينة صغيرة في قلب الجبل اكتفت بذاتها بل وتقدم خدماتها لغالبية القرى المجاورة حيث اشتهر حرفيوها على مستوى المنطقة بمهارتهم ودقة صناعتهم والتزامهم المطلق بعملهم وإخلاصهم له.
ولإلقاء الضوء على هذه القرية والتي تتبع إدارياً إلى بلدية نيننتي وعلى واقعها الخدمي وبعض المهن الموجودة فيها ولربط الكلام بالواقع زرنا القرية والتقينا العديد من أبنائها والذين حملونا مسؤولية إيصال الصورة الحقيقية عنهم وإيصال صوتهم وأشجانهم إلى المعنيين بالخدمات في محافظة اللاذقية وكانت البداية مع السيد ربيع هيفا وهو صاحب ورشتي نجارة خشب وألمنيوم والذي قال: ورثنا مهنة النجارة عن الوالد توفيق هيفا والذي عمل بها منذ أكثر من ٤٠ عاماً، وعملت مع إخوتي على تطويرها وتحسينها وإدخال كل ما هو جديد إليها لمواكبة المتطلبات العصرية فيها وأضفنا لاحقاً ورشة الألمنيوم بحيث نعمل على تطوير أنفسنا وتطوير قريتنا أيضاً. نعاني من ارتفاع الأسعار وغلاء مواد البناء وهذا ما ينعكس بشكل سلبي على عملنا الذي كان شبه متوقف خلال العامين الماضيين نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي للناس وعدم استقرار الأسعار ولكن حالياً العمل أفضل بكثير، وأشار إلى أنه يتم استقطاب العديد من شباب القرية للعمل في ورشتي النجارة والألمنيوم إضافة إلى الورش العديدة والمختلفة لأبناء القرية ومحلات الخضار والسمانة والألبسة والمطاعم الشعبية ومعاصر الزيتون اليدوية . . ولكننا نعاني نحن جميع أبناء القرية من واقع خدمي سيئ في العديد من المجالات والذي يحتاج إلى الاهتمام من قبل محافظتنا الكريمة مثل الطريق الرئيسي في القرية والسيئ للغاية حيث حُفر بعد تنفيذ صرف صحي عليه من قبل الخدمات الفنية وتُرك بعد الانتهاء من المشروع على وضعه دون إعادة تعبيد وأيضاً طريق جرماتي – بورة الهوى طريق سيئ رغم أنها تخدم عدداً كبيراً من أبناء القرية والعديد من عوائل الشهداء، أيضاً طريق وادي حسن- نيننتي بحاجة شق وتعبيد ليستطيع الأهالي تخديم أراضيهم الزراعية وطريق جرماتي- غلميسي التي تختصر الكثير من المسافة والوقت والجهد، وأضاف هيفا إن قمة مشاكلنا تتركز في عدم توفر ماء الشرب إلا بالقطارة حيث تأتي كل عشرة أيام لساعة واحدة فقط، ولفت إلى حاجة القرية لبناء ثانوية حيث يدرس أبناؤنا في ثانوية البودي ويذهبون سيراً على الأقدام لمسافة تتجاوز الـ ٤ كم في كافة ظروف الطقس الحارة والماطرة، وكذلك صيانة مدرسة القرية بكل ما فيها وخاصة أنها تتحول في الشتاء إلى برك من الماء داخل الصفوف وخارجها.
الدراجات النارية حاجة فرضها الواقع
* السيد عيسى برهوم صاحب ورشة تصليح دراجات نارية قال: نتيجة عدم وجود سير ومواصلات تخدم الأهالي في جرماتي فقد اعتمد الكثير من الأهالي على الدراجات النارية بكثرة في القرية لقضاء حاجاتهم والوصول إلى مراكز أعمالهم وأكد أنه يقصد ورشته التي يعمل فيها منذ أكثر من ٢٥ عاماً غالبية أصحاب الدراجات النارية من قريته والقرى المجاورة وعبر عن سعادته بمهنته والتي أغنته عن حاجة الناس رغم صعوبة العمل بها كل هذه السنين ويحاول جاهداً تعليمها لأبنائه ومساعدتهم على إتقانها.
شيّد بيتك من حجار أرضك
* السيد محمد أحمد علي معلم حجر قال: تشتهر قرية جرماتي بحجر البناء الطبيعي الأبيض على مستوى الساحل السوري لميزاته الكثيرة كالقساوة والمتانة وجمالية بياضه الناصع وخلوها من الشوائب والفراغات إضافة إلى أن نسبة امتصاصه للمياه قليلة جداً وقساوته تساعد على التحكم بتجذيبه وتجميله.
ويقول المثل الشعبي (شيّد بيتك من حجار أرضك) ولذلك أغلب بيوت القرية القديمة والكثير من الحديثة تم تشييدها من حجار القرية والتي تسمى حجار قطع وهي حجارة كلسية فيها نسبة من الترخيم ومعروفة البيوت المبنية بالحجر بجمال بنائها ومتانتها وبرودتها صيفاً، وأضاف: الحجر موجود بشكل طبيعي في أراضينا ويتم الاعتماد على اليد العاملة الخبيرة باستخراجه باستخدام أدوات بسيطة عمرها مئات السنين مثل (المهدة والشاقوفة وقطاعة ومشط الحجر) إضافة إلى المخل والأسافين وتتميز جرماتي بمعلمي بناء الحجر الذين ورثوا هذه المهنة عن المعلم يوسف حنا من قرى بانياس وعملوا بها من سبعينيات القرن الماضي وانتقلت من الآباء إلى الأبناء، وشرح لنا أن هناك عدة طرق للبناء، مثلاً طريقة تجذيب الحجر بمقاسات متساوية بالنسبة للارتفاع وطول محير حيث يعتمد خلال هذه الطريقة على تشكيل زوايا للبناء بدقة عالية جداً بالإضافة إلى إشادة القناطر على الأبواب والشباببك من نفس الحجر، وأيضاً طريقة البناء المكردس، وتعني صف الحجر دون تجذيب بحيث توضع كل حجر بحجمها العادي لتشكل لوحة عشوائية جميلة، بالإضافة إلى طريقة البناء ببقايا الحجر الصغير والمسمى بالحجر (الغشيم)، وهذه الطريقة تستخدم في إشادة التصوينات حول البناء وتشييد خزانات تجميع مياه الأمطار وهي متواجدة في كل بيوت جرماتي، ولفت إلى إيجابيات هذه الحرفة في توفير فرص عمل للكثير من أبناء القرية بالإضافة إلى الجمالية النادرة والخصوصية التي تتميز بها غالبية بيوت جرماتي المبنية بهذا الحجر، أيضاً توفير في مادة الحديد عند البناء بهذا الحجر، أما المعاناة فتتمحور بعدم وجود طرق زراعية تساعدنا في نقل الحجارة من الأراضي حيث يتم نقلها حملاً على الأكتاف أو بطرق بدائية وقديمة فيها الكثير من المعاناة والصعوبات لنا نحن العاملين في هذا المجال، وأضاف السيد محمد: لابد من الإشارة إلى معاناتنا جميعاً في جرماتي في تأمين مياه الشرب والاستعمالات الشخصية حتى أن الموظف أو العامل يتكلف جزءاً كبيراً من مدخوله الشهري لدفع أجورات نقل الماء وندفع فواتير مياه وهمية ونتمنى أن ينظر بوضعنا وإزالة هذا الغبن عن قريتنا ومساعدة الشباب الذين يفكرون ببناء الخزان الأرضي لتجميع مياه الامطار فيه قبل بناء البيت وتوفير هذا الجهد المادي والجسدي عليهم.
أين الوحدة الإرشادية؟
* السيد إبراهيم حمودي مزارع، تحدث أيضاً عن تجاهل القرية من ناحية الوحدات الإرشادية قائلاً: لا توجد وحدة إرشادية قريبة نتبع لها وتقدم لنا الخدمات الزراعية ولا المنح الزراعية التي وزعت في أغلب القرى ولم يزر قريتنا أي مهندس زراعي ولم يقدم لنا أي خدمات رغم الدونمات الهائلة المزروعة بالزيتون وحاجتها الماسة للرش والوقاية من الأمراض التي تصيب ثمارها.
* وأشار السيد محمود هيفا الى مساوئ الطريق العام للقرية حيث يضطر من يملك سيارة إلى إصلاحها بشكل دائم إضافة أنه لا يوجد سرافيس تخدم القرية رغم عدد الأهالي الكبير حيث ان كل القرى المجاورة مخدمة بسرافيس على خطي جبلة والقرداحة باستثناء جرماتي التي يتكلف أبناؤها الكثير من الوقت والجهد والمال للوصول إلى أماكن أعمالهم.
* أيضاً تحدث السيد حسان حربا عن أزمة المياه المتكررة والتي لا تأتي سوى وقت قليل كل عشرة أيام مرة واحدة فقط ولوقت قصير علماً أن الشبكة موجودة ولكن عملية ضخ المياه إلى القرية مجحفة جداً بحقنا.
* المدّرسة ليندا البشير شرحت أيضاً عن معاناة المعلمات في السير خلال الدوامين الصباحي والمسائي وهذا ما ينعكس سلباً على الأبناء.
وقد نقل إلينا جميع الأهالي الذين التقيناهم وضع مدرسة القرية السيئ من حيث البنى التحتية وحاجتها الماسة للصيانة من حيث الكهرباء والنوافذ والأبواب والمداخن بالإضافة إلى ضيق المبنى وصعوبة الدوام المسائي فيها خاصة خلال فصل الشتاء مؤكدين أن المدرسة بنيت في القرية منذ عام ١٩٩٠ ولكن إلى الآن لم تُجر لها أية صيانة تذكر.
وخلال زيارتنا للمدرسة التقينا فيها السيد هلال يوسف مدير المدرسة والذي أجابنا بأن عدد طلاب مدرسة الشهيد عامر علي علي في جرماتي ٢٧٠ تلميذاً، والدوام فيها مقسم إلى صباحي ومسائي لعدم قدرة المدرسة على استيعابهم جميعاً في فترة واحدة، وهي بناء مؤلف من ست غرف صفية، تم تحويل شعبة منها إلى قاعة حاسوب، أيضاً في المدرسة شعبة رياض أطفال تتبع للتربية تم افتتاحها من عامين يتراوح عدد الأبناء فيها ما بين 10-15 تلميذاً، وأضاف بانه لا يوجد حارس للمدرسة رغم أنها تعرضت عدة مرات لمحاولة السرقة وتخريب الأقفال ولا يفوتنا أسبوع دون شراء الأقفال كون الأطفال يلعبون في الساحة خلال أوقات العطل ويعبثون بالأقفال الخارجية للمدرسة ولذلك نتمنى رفد المدرسة بحارس على الأقل لحراسة المدرسة وحماية الوسائل التعليمية فيها، وطبعاً خلال جولة بسيطة على المدرسة يتوضح فيها مباشرة ساحتها السيئة والمحفرة بالإضافة إلى النوافذ المكسرة والأبواب المخربة بفعل عامل الزمن والقدم وحاجة الجدران إلى الدهان والسطح إلى العزل والنوافذ إلى البرادي التي ترد حرارة الشمس وقد استعمل التلاميذ ورق الجرائد والكرتون لدرء حرارة الشمس عنهم، بالإضافة إلى أن حمامات المدرسة خارج الخدمة نتيجة عدم توفر الماء حيث تغذى المدرسة من الشبكة العامة للقرية والتي تأتي المياه فيها خلال فترات متباعدة ولوقت قصير لا يفي بالحاجة لأكثر من يوم واحد فقط.
في بلدية نينتي
حملنا كل ما في جعبتنا واتجهنا الى بلدية نيننتي والتقينا فيها السيد عاطف خزامة رئيس البلدية والذي أجابنا مشكوراً: تتبع جرماتي لبلدية نيننتي وتبعد ٩كم عن القرداحة باتجاه الجنوب ويبلغ عدد سكانها ١٧٨٤ نسمة يعملون بالزراعة والتجارة والأعمال الحرة والمهن الحرفية وفيها نسبة كبيرة من العمال والموظفين، وذكر أنه: بالنسبة للطرق الزراعية فهي حاجة أساسية للقرية ولكن تنفيذها يحتاج إلى موافقة الأهالي الذين يعارض بعضهم شقها في أراضيه، أما مشكلة الماء فهي أزمة حقيقية يعاني الناس منها بكثرة وقد تواصلنا مراراً مع مؤسسة المياه ودائماً يعدوننا بتحسين الوضع ولكنه بقي على حاله بل ازداد سوءاً في الوقت الحالي وازدادت معاناة الناس بدفع أجور نقل المياه، وبالنسبة للكهرباء فقد تم دعم الشبكة من خلال تركيب محولة في حي المروج في قرية جرماتي بالإضافة لاستبدال الأعمدة المهترئة ومدّ شبكة جديدة بالتعاون مع الشركة العامة للكهرباء، وأضاف: من ناحية الصرف الصحي فقد تم تنفيذ مشروع صرف صحي على الطريق العام للقرية بطول ٨٠٠ متر من قبل الخدمات الفنية مع الوعود باستكمال تخديم القرية بالكامل وأشار السيد خزامة بأن فعالية الزفت بعد الحفر مباشرة ليست بذات جدوى ولذلك يتم الانتظار لمدة عام تقريباً لأخذ الوضعية الصحيحة للتربة ليتم تعبيدها بعدها والخدمات الفنية مشكورة تقوم بتخديم الأحياء الأكثر حاجة وقد وعدت باستكمال مدّ الصرف إلى كافة الأحياء وتعبيد الطرق التي تحفرت بسبب مشروع الصرف، وقد رفعنا أيضاً العديد من الكتب والطلبات من أجل تأمين المواصلات للقرية كما رفعنا عدة كتب وعبر العديد من الجهات لأجل افتتاح وحدة إرشادية في قرانا حيث تشتهر جميعها بزراعة الزيتون وبمساحات زراعية كبيرة جداً.
وذكر خزامة أنه وضمن خطة البلدية سيتم العمل على تخديم قرية جرماتي وتزفيت بعض الطرقات الفرعية فيها وتنفيذ مشاريع صرف صحي لبعض الحارات غير المخدمة، كما تقوم البلدية بترحيل القمامة من القرية مرة كل أسبوع كون قطاع البلدية كبيراً ويضم العديد من القرى والمزارع ولفت أيضاً إلى وجود مخطط تنظيمي للقرية بمساحة ٩٠ هكتاراً تم العمل به منذ العام ٢٠٠٢ وصدق بـ ٢٠١٨ وفي النهاية لابد من القول إن إيلاء قرية جرماتي وأهلها وحرفييها بعضاً من الاهتمام من قبل المحافظة وتأمين احتياجاتها كفيل بنقلها نقلة نوعية من قرية تدعم نفسها بنفسها إلى قرية صناعية ومهنية بامتياز بل وتقدم الدعم لكل محيطها.
سناء ديب