مياه الجفــــت والمعــــــاصر .. وحكــــــاية كلّ عــــــام!

العدد: 9437

الثلاثاء:1-10-2019

 

 

تفيد التربة.. تدمــــــــرها.. ونتــــــــــائج دراســــــــات تناقض بعضها

مطــــــــالبة المعاصر بـ «التخـــــلّص الآمن» منها ماذا يقابله؟

 

قبل تسعينيات القرن الماضي كان في ضيعتنا ثلاث معاصر زيتون قديمة، يطارد في كلّ منها العجلُ العجلَ (كانت تُسمى الدواليب الحجرية عجولاً) دون كلل أو ملل، ومن زاوية ما في كلّ معصرة يخرج (نربيش 4 إنش) ليلقي بمياه الجفت على بعد (50-100) متر من المعصرة، وأمام بيت وفي مجرى (ساقية مياه) تنمو على جوانبها الحشائش على مدار السنة، وتتغذى عليها أبقارنا ولم يصبها أو يصبنا أي مكروه، وعلى جانبي هذه الساقية أكثر من بئر ماء نشرب منه والحمد لله بقيت الصحة تاجاً فوق رؤوسنا..
لم تكن تحاليل المياه أو التربة حاضرة في تلك الأيام كما حضورها اليوم، وربما كان هناك تلوّث ما، لكن سنكتشف من خلال استعراض بعض الدراسات أن هذا التلوّث إن حصل فهو مؤقت، وأن الطبيعة تعاملت معه بخصوصيتها ولهذا لم نصب بأذى..
اليوم، ومع بداية موسم عصر الزيتون في الساحل السوري، تحضر شكاوى العام الماضي والذي قبله، والشكوى من أصحاب معاصر الزيتون، الذين ناشدوا السيد محافظ اللاذقية أن ينظر إليهم بعين (الشفقة)، فما هو مطلوب منهم فيما يتعلّق بمياه الجفت يكلّفهم الكثير، ويكاد يدفع بعضهم إلى اعتزال هذه (المصلحة)..
ولأننا ألقينا أذناً لشكواهم، فقد أضافوا عليها عدم حضور (التسعيرة) حتى الآن ولا يعرفون على أي جنب سينامون!

 

لا نحاول تغطية أي مشكلة بيئية (وما فينا بيكفينا)، ولكن بنفس الوقت لا نريد أن نلقي كلّ الهمّ على طرف واحد فيضطر إما لهجر مصلحته، أو إلى الاحتيال على هذا الأمر مقابل ثمن مقبوض، ولا أتهم أحداً لكني أشير إلى حالات قائمة مهما حاولنا نفيها..

في تشرين الثاني 2002، نشرت مجلة البيئة والتنمية: (… إن احتواء مياه الجفت على المركبات الفينولية وعلى نسبة عالية من الزيت والمطلب الأوكسيجيني الكيميائيCOD هو مصدر التلوث الرئيسي عند صرف هذه المياه من دون معالجتها، فهو يؤدي إلى تشكل قشور طينية في التربة مع صدور روائح كريهة، مما يتسبب في القضاء على الأحياء الدقيقة، مخلاً بتوازن التربة ومقللاً من خصوبتها، كما أن وجود الأحماض العضوية والمركبات الفينولية يمكن أن يسمم النباتات والأشجار عند سقايتها بماء الجفت مباشرة..)

 

وتضيف الدراسة: (هنا بعض الطرق لمعالجة مياه الجفت:
* إضافة مياه الجفت إلى بعض الأنواع من التربة رشاً، بمعدل 50م3/هكتار كل سنة من الماء الناتج عن معاصر المكابس (الضغط) و80م3/هكتار كل سنة من الماء الناتج عن معاصر الطرد المركزي، على أن تتم مراقبة الكميات المستعملة.
* تجميع مياه الجفت في أحواض ذات سطح كبير وقليلة العمق، في مناطق نائية، وتجفيفها بواسطة أشعة الشمس والعوامل الجوية الأخرى.
* معالجة مياه الجفت بالتخمير في معامل معالجة القمامة، فتخلط بالقمامة أثناء فترة المعالجة).
انتهى الاقتباس فماذا نقرأ فيه؟ وهل تتم معالجة مياه الجفت قبل إلزام اصحاب المعاصر بتصريفها على أراض زراعية، ولماذا اقتصرت إجراءاتنا على هذا الحل، ولم نفكّر بالاقتراحين الثاني والثالث (تجفيفها بواسطة الشمس، معالجة مياه الجفت في معامل معالجة القمامة)؟

تلوّث مؤقت
في 25/7/2015 نشر موقع عالم الزراعة والغذاء: (.. تتراوح الكمية الناتجة من عصر 1 طن من ثمار الزيتون 640 – 1100 ليتر، وتتكون مياه عصر الزيتون من 83.4% ماء، 14.8% مادة عضوية، 1.8% مواد معدنية).
وتساءلت الدراسة: (أين تكمن المشكلة في ماء الجفت؟ وتجيب: هذه المياه ليس لها تأثير سام إنما قد تحدث تلوثاً مؤقتاً في الوسط الذي تنتشر فيه فيما لو تم نشرها بكميات كبيرة وبوقت غير مناسب وهذه المركبات هي مواد طبيعية يمكن للوسط البيئي أن يفككها إلى عناصرها الأولية بوجود الكائنات الحية الدقيقة والبيئة المناسبة).
ومن بين التوصيات المتعلقة بإضافة مياه الجفت إلى أشجار الزيتون قالت الدراسة:
تضاف مباه عصر الزيتون في المواعيد التالية:
* الأشجار المثمرة: في مرحلة سكون العصارة النباتية (تشرين ثانٍ ـ شباط) مع الابتعاد عن الساق مسافة 70 سم على الأقل
* المحاصيل الحقلية: قبل شهرين من الزراعة.
* الخضار: قبل شهر على الأقل من التشتيل.
إذا كانت نسبة المياه فيها 84% فهذا يدعم أن تأثيرها قليل ومؤقت، ومع هذا لنقرأ توصيات إضافة مياه الجفت إلى الأشجار المثمرة، ففي تشرين الثاني يكون الإنتاج في أوجه، وعمليات عصر الزيتون مستمرة، وبالتأكيد لا يمكن تخزينها إلى شهر شباط، وبالتالي فإنّ إضافتها يكون في الوقت الخاطئ وهنا تغيب أهمية وفائدة هذه الإضافة.
مخصّب عضوي!
في 16/7/2012 (أكدت دراسة أعدتها مجموعة من باحثي مركز البحوث الزراعية باللاذقية أثر إضافة مياه الجفت المياه الناتجة عن عملية عصر ثمار الزيتون على خصوبة التربة المزروعة بأشجار الحمضيات وإمكانية استخدامه كمخصب عضوي للتربة المزروعة بهذا المحصول.
وأوضح الدكتور أمجد بدران الباحث في مركز البحوث الزراعية إن دراسته التي تمّ تنفيذها ضمن تجربة حقلية في محطة بحوث (ستخيرس) للحمضيات خلال الموسمين الماضيين تركزت على أثر إضافة مستويات مختلفة من مياه عصر الزيتون لتربة مزروعة بالحمضيات وعلى بعض الخواص الخصوبية والحيوية للتربة وإنتاجية أشجار الحمضيات.
وأشار بدران إلى أن الدراسة التي شملت تجربة ثماني معاملات زراعية واستخدمت مستويات مختلفة من مياه عصر الزيتون في حالتي وجود وغياب التسميد المعدني لاحظت تحسن محتوى التربة الكلي والمعدني المتاحين في عمق التربة وكانت تأثيرات مادة أو إم دبليو دبليو وهي مادة من ضمن مكونات ماء الجفت أقل أهمية لمادة المنغنيز مع فروق متفرقة في مراحل معينة من الموسم على حساب المعاملة الشاهد فيما لم تلحظ تأثيرات جدية على كل من المغنيزيوم والكالسيوم المتبادلتين أو أي تأثيرات على النحاس والصوديوم في التربة.
وأشار بدران إلى ازدياد أعداد الفطريات والبكتيريا بشكل مميز وزيادة لجميع المعاملات وفق نسب أو إم دبليو دبليو المتزايدة على حساب الحقل الشاهد مع ملاحظة أن إضافة هذه المادة للتربة لم تؤثر على درجة حموضتها ما يدعم إمكانية استخدامها كمخصب عضوي للتربة وكانت النتيجة الأهم ازدياد الإنتاجية في الموسم الثاني بشكل مميز مع فروق معنوية وزيادة متوقعة لجميع المعاملات مقارنة مع الحقل الشاهد).
لا تعليق على هذا التقرير المنشور عبر وكالة الأنباء العربية السورية (سانا).
إنتاج الغاز الحيوي
في 30/1/2018 ركزت ورشة العمل التي أقامها مركز البحوث العلمية الزراعية باللاذقية حول (الاستفادة من مياه الجفت وتحويله إلى مصدر للطاقة النظيفة واستخدامه بشكل علمي ومدروس وآمن للتربة والنبات والمياه الجوفية.
وأوضح الدكتور محمد سلهب رئيس مركز البحوث العلمية الزراعية في اللاذقية أن البحث تمّ بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونيسكو) داعياً إلى إجراء المزيد من الدراسات البحثية حول خصائص وتأثيرات مياه الجفت على التربة واستثمارها بالشكل الأمثل.
وبينت الباحثة الدكتورة غنوة خضور أن مياه الجفت المنتجة سنوياً من عصر الزيتون بالموسم الواحد تصل إلى نحو مليون متر مكعب يمكن استخدامها في مجالات الصناعة المختلفة وإنتاج الغاز الحيوي والطاقة الكهربائية وخلطات البناء والصناعات الدوائية ومواد البلاستيك والورق والكثير من المواد التي لها طبيعة كيميائية كما يدخل في تركيب خلطات الأعلاف والري بالتسميد.
ولفتت خضور إلى الآثار السلبية لاستخدام مياه الجفت على التربة والبيئة المحيطة من زيادة حموضة التربة وخلل في خصوبتها ومنع تبادل الأوكسجين بين الماء والهواء ونفوق الكائنات الحية وتلوث المياه الجوفية وغيرها.
وفي نهاية الورشة تم إجراء بيان عملي لتجربة الغاز من ماء الجفت بحضور مجموعة من الباحثين والمختصين العاملين في مركز البحوث العلمية الزراعية وجامعة تشرين ودائرة الإرشاد الزراعي بمديرية زراعة اللاذقية حيث تم إشعال النار من الغاز الصادر من مياه الجفت).
تناقضات في دراستين محليتين
الدراسة الأولى التي قدمها الدكتور أمجد بدران تؤكد (… ازدياد أعداد الفطريات والبكتيريا بشكل مميز.. مع ملاحظة أن إضافة هذه المادة للتربة لم تؤثر على درجة حموضتها ما يدعم إمكانية استخدامها كمخصب عضوي)، فيما تقول الدكتورة غنوة خضور (…ولفتت خضور إلى الآثار السلبية لاستخدام مياه الجفت على التربة والبيئة المحيطة من زيادة حموضة التربة وخلل في خصوبتها ومنع تبادل الأوكسجين بين الماء والهواء ونفوق الكائنات الحية..)
هل نحن في أوروبا؟
في 12/9/2019 نشرنا في جريدة الوحدة على لسان صاحب معصرة: (تصريف ماء الجفت الناتجة عن عمليات عصر الزيتون الذي من المفترض عليهم تعبئتها وترحيلها وسقاية مزروعات المواطنين فيها، إذ كيف بإمكاني أن أقوم بذلك وعلى حسابي الخاص وأنا يومياً ينتج لديّ أكثر من عشرين صهريجاً، كيف سأنقلها وأين المساحات المزروعة التي سأسقيها، أو كيف سأصل إلى أشجار ومزروعات في معظم الأماكن لا تصلها طرق، نحن نتكلم عن ريف جبلي في طبيعةٍ وعرة وحتى أجور النقل هذه لوحدها تقف عائقاً أمامي فتكلف مبالغ ضخمة تكاد تأتي على دخل المعصرة اليومي، هكذا إجراءات وكأننا في دولةٍ أوروبية وليس في ريفٍ فقيرٍ يفتقر إلى كل شيء بما فيه الطرق الصالحة للعبور، زد على ذلك أن المزارع وحتى الآن لم يقتنع بفائدة ماء الجفت لأرضه، لذلك من المستحيل أن نستطيع تطبيق هذا الإجراء).

ارسوا على برّ
حتى تُطاع اطلب المستطاع.. ودراسات يقوم بها أحياناً من لم يتعامل نهائياً لا مع الشجرة ولا مع الثمرة إلا في المخابر قد لا تكون ذات أثر عملي، وهو أحياناً ما يقودها إلى التناقض، وبالتالي، فإن الاستفادة من الدراسات مرتبطة بمدى عمق هذه الدراسات، وبمدى ارتباطها بالخبرة المتراكمة لمزارعي الزيتون أو اصحاب المعاصر، أضف إلى ذلك إن التخلّص من مياه الجفت من خلال إلزام أصحاب المعاصر بتوزيع مياه الجفت على الحقول والأراضي الزراعية لا يتمّ وفق الضوابط التي قد تحقق الفائدة المرجوة، فمن الشروط أن تكون بعيدة عن مصادر المياه أكثر من (1100) متر، وبعيدة عن المنازل السكنية أكثر من (500) متر، فهل نراعي هذا الشرط المكاني على الأقلّ؟
بالطبع هناك طرق كثيرة للتخلّص من مياه الجفت (طرق كيميائية، وطرق فيزيوكيميائية) ولكنها كلّها مكلفة وتحتاج إلى وقود وغير ذلك لذلك من الصعب انتهاجها إضافة إلى غياب الإمكانية التقنية لهذه المعالجات، حتى موضوع التجفيف الشمسي لها بحاجة لشروط معينة، وقد تكون عملية التخمير مع القمامة في معامل معالجة القمامة حلاً معتدلاً ولكن بعد أن نجد طريقة ناجحة لمعالجة القمامة، وهنا نعود للوقوف عند مقترحات الدكتورة غنوة خضور ودراستها ونذكّر بما قالت: (مياه الجفت المنتجة سنوياً من عصر الزيتون بالموسم الواحد تصل إلى نحو مليون متر مكعب يمكن استخدامها في مجالات الصناعة المختلفة وإنتاج الغاز الحيوي والطاقة الكهربائية وخلطات البناء والصناعات الدوائية ومواد البلاستيك والورق والكثير من المواد التي لها طبيعة كيميائية كما يدخل في تركيب خلطات الأعلاف).
نحن بأمس الحاجة إلى الغاز، والطاقة الكهربائية، وكل إمكانيات استخدامها في هذا المقترح تبدو مفيدة، فهل تعود الجهات المعنية إلى قراءة هذه الدراسة ومناقشتها ووضعها موضع التطبيق، فمن بين مئات الاقتراحات التي اطلعنا عليها محلياً وعالمياً تبدو هذه الخلاصة هي الحلّ الأنسب.
تعليمات جديدة
وكان محافظ اللاذقية قد أكد خلال اجتماع عقد الأسبوع الماضي أن مادة العرجون الناتجة عن عمل المعاصر يجب أن يتم ترحيلها بشكل مباشر وتغطيتها عند تساقط الأمطار، لمنع تلوث آبار مياه الشرب، مع التأكد من أحواض المعاصر المرخصة والعاملة لتكون كتيمة لمنع ارتشاح مياه الجفت، مشيراً إلى أن حساب كميات النواتج في كل معصرة وفق سجلات خاصة بها نبيّن كميات الزيتون الواردة إليها.
168 ألف طن في اللاذقية
قدّرت مديرية زراعة اللاذقية كميات إنتاج الزيتون لهذا الموسم في المحافظة تبلغ 168 ألف طن من الثمار، ستنتج حوالي 40 ألف طن زيت. يبلغ عدد أشجار الزيتون في اللاذقية (11) مليون شجرة تتوزع على مساحة (49) ألف هكتار، ويبلغ عدد المعاصر (150).
103 آلاف طن في طرطوس
قدرت مديرية زراعة طرطوس إنتاج المحافظة من محصول الزيتون بنحو (103) آلاف طن من الثمار ستنتج نحو (25) ألف طن زيت.
المساحة الإجمالية المزروعة بأشجار الزيتون تبلغ نحو 76 ألف هكتار وعدد أشجار الزيتون الكلي يبلغ أكثر من (11) مليون شجرة منها أكثر من (10) ملايين في طور الإثمار، وعدد المعاصر في طرطوس 227 معصرة.
65 ألف طن
في كلّ من طرطوس واللاذقية نفس عدد الأشجار من الزيتون حسب أرقام مديرتي الزراعة في اللاذقية وطرطوس، لكن إنتاج طرطوس المقدّر يقلّ (65) ألف طن عن إنتاج اللاذقية وربما يعود ذلك إلى (المعاومة) أو ربما إلى الأصناف الموجودة في كلا المحافظتين.
830 ألف طن
في معلومات منسوبة إلى مدير مكتب الزيتون في وزارة الزراعة محمد حابو أن تقديرات إنتاج الموسم الحالي من الزيتون تصل إلى 830 ألف طن من الثمار و150 ألف طن من الزيت وأن تقديرات الإنتاج توزعت على محافظة اللاذقية أولاً بـ 168 ألف طن ثم إدلب بـ 161 ألف طن فحلب بـ 143 ألف طن وطرطوس بـ 130 ألف طن (تقديرات مديرية زراعة طرطوس 103 آلاف طن) وحمص بـ 90 ألف طن والباقي في المحافظات الأخرى

غــانــم مــحــمــد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار