العدد: 9437
الثلاثاء:1-10-2019
أيّتها الابتسامات التي ما كانت تفارق وجوهنا وما كانت غير هويّتنا التي بها نعتزّ ونفتخر, ويا أيّتها الذّكريات التي ما تزال حاضرة على شفاهنا كسمفونيّة موسيقيّة تعزفها أوركسترا, ويا أيّتها الدّروب التي ارتسمت آثار خطونا عليها بل نُقشتْ عليها وبقيتْ علامة بارزة تدلّ علينا بأنّا من هنا مَررنا وفي هذه الدّرب زرعنا الحكايات التي تروي مواجعنا تارة وأفراحنا تارة أخرى, وإنّي لأعجب كلّ العجب من دروبنا غريبة الطبع والطّباع كيف لها أن تتسع لكلّ هذا الكمّ من الحكايات والذكريات؟
أيّتها الدّروب التي تحكي لنا عن أحلامنا التي زرعناها مع كلّ خطوة وسقيناها من عرق المسير وطول الطريق وعذوبة الحلم الذي كان يعمل على شقّ الطريق أكثر فأكثر ليجعله أجمل فأجمل, ما أجمل أحلامنا وهي تمدّنا بنسغ الحياة التي هربت منّا ولم نجدها إلا في أحلامنا التي كانت سبيلنا الوحيد لنكون أبعد ما نكون عن الموت الذي ظلّ يلاحقنا حتى في فراشنا, في يقظتنا وفي نومنا, في مسيرنا وتوقّفنا, وعند كلّ منعطف أو في ثنايا ظلّ الشّجر الذي كنت أجده يشبهنا في كثير من لحظات حياته القصيرة المرتبطة بمقدار الضوء السّاقط عليه كمّاً وقتاً.
أيّتها الدّروب التي أضناها التعب وأتعبها النّبض وما زال النّبض غير مُجدٍ فلا هو قادر على أن يمدّها بالحياة من جديد ولا هو بقادر على أن يُعيدها إلى البداية, فلا بدء للدرب كما لا نهاية لها, فدروبنا مرهقة ومتعبة من ثقل الأحمال التي أودعناها ولم تكن مهيّأة أن تحمل هذا الكم من الآلام والأحزان, حتّى باتت غير قادرة على حمل خطْونا فغابت في قلق المصير وتعب المسير وأصبحت الأرصفة محطّات السّفر, كما هو النوم هرب من قلق اليوم وتعب الغد وهمومه التي تسابقه كي تصل إلينا في زحمة الثواني لنجدها تطرق أبوابنا وتسرق أرغفة الحياة من بين أيدينا التي تحوّلت إلى غرابيل ذات ثقوب كبيرة تأخذ كلّ شيء إلى غير ما نريد ونغيب في غشاوة المصير وجوع الأحلام التي أبَتْ أن تغادر رؤوسنا بعد اليوم , لنجد أنفسنا ننادي أين نهايتك أيّتها الدّروب الهاربة؟
نعيم علي ميّا