العدد: 9432
الثلاثاء: 24-9-2019
دراسة في ديوان (يأتي الذي كان) للشاعر القومي هادي دانيال ما زال الإلهام يدقّ إسفينه بإصرار في مخيلات الشعراء كي تبدع الجديد وتساهم في إغناء المشهد الشعري العربي الراهن صياغة وعرضاً ودلالات.
شاعر قومي مقاوم ينبض قلبه بالأمل والحلم والحب والإنسانية، دَفّاق الشعر، تَنحْصرُّ الكلمات على شفتيه، رقيق المشاعر مرهف الشعور، متوهج الفكر، غني الحياة نذر نفسه للمقاومة والشعر والغربة، يستجير بضوء القصيدة من نار الوجد الذي يكابده وتراكم غيوم الإرهاب والإرعاب في سماء سورية والوطن العربي.
هادي دانيال، صوت كفرية واللاذقية المحلّق في سماء العروبة والمقاومة واسمه الحقيقي (عبد الهادي دانيال الوزة) مواليد كفرية 1956 خرج مع قيادة منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت عام 1982 واستقر معها في تونس حتى تاريخه، صاحب مشروع فكري وشعري وخاض في أغلب فنون الكتابة الإبداعية وكتب للوطن والحب والمرأة، وسيرة إبداعه حافلة ترجمها في 23 إصداراً بين كتاب فكري وديوان أدبي شعري يشرح فيها الواقع العربي وانعكاساته على دواخل الإنسان، أصدرها في بيروت ودمشق وتونس، كان أولها (بردى ووقود الجوع) وآخرها (يأتي الذي كان) الذي أصدره مؤخراً في تونس في قصيدة (يأتي الذي كان)التي وَسَم المجموعة بها يظهر التلاحم غير القابل للفصم بين الأرض والروح، يبشرنا أن الوطن لا زال وسيظل بخير رغم ندرته على الرغم من جميع المآسي المآسي والمحن التي آلت إليها أحوالنا، تعبُّ الأرض من دمائنا إذا عطشت ونطعمها لحمنا إذا جاعت وتكسوها أرواحنا إذا عرتْ:
تعبُّ البلاد إذا ظمئت.. من دمانا..
ونطعمها لحمنا إذ تجوع..
وتلبس أرواحنا عشبة.. صخرة في ثراها..
وفوق الثرى في الهواء.. سحاباً فراشاً وطير.
الشاعر أمضى حياته في غربة اختيارية، لكن قلبه وروحه ظلّا في وطنه وملعب صباه، يفترش وسادته الحنين وسيل عارم من الذكريات والتفاصيل لوطنه الذي أضفى عليه صفات الفردوس ويحول محتوياته إلى معبودات:
وحيد لا رفاق يودَّعون .. لا رفاق يرافقون..
ولا رفاق متى وصلت يعانقون..
ولا خطاي لها صدى..
غريباً يائساً خرائطه
ستسلمني الدروب المتربات..
إلى الصخور المعشبات..
عساي أغسل بعض روحي بالندى
في الديوان يتحدث عن وباء التطرف والإرهاب المدعوم أمريكياً وصهيونياً الذي ضرب الأمة العربية في الصميم، الولايات المتحدة الأمريكية تريد إحراق سورية عبر دعم الإرهاب تحت غطاء وبذريعة مكافحة الإرهاب، عن طريق تحريك ودعم المتطرفين في الداخل وتهريب الجناة والقتلة من الخارج وتقديم الأموال السوداء للأيدي القذرة عبر وكالة المخابرات المركزية والموساد الصهيوني في قصيدة (طواحين الهواء):
من بين أضلاعي ينطلق جوادٌ مجنحٌ
يَهدمُ قباب اسطنبول وأخواتها..
ومن صهيليه الجريح تنبثق..
فراشات تسدُّ الثقوب التي..
ربما يتسرّب منها النور..
الذي انشقّ عنه القمر الشاحبُ..
إلى طواحين الهباء.
يغضب الشاعر من حال العرب ويرفض واقعهم المشتت وما آلت إليه أمورهم في ظل الربيع الحارق التي أتى على كل منجزاتهم وحضارتهم ومكانتهم وكيف صاروا ألعوبة بيد أمريكا وإسرائيل والغرب وأضحوكة يتندر بها العالم شرقاً وغرباً، وكيف صارت مقررات القمم العربية الهزيلة مَطيّة لبعير الخليج لتدمير الأمة العربية وسورية وما تبقى من كرامة وعنفوان العرب، وها هو الربيع الأسود يُمطر على الفلسطينيين تجاهلاً وذلاً وحصاراً وقتلاً وتدميراً وتهجيراً وجوعاً بينما يُزهر على إسرائيل تطبيعاً وأمناً وقوة وسلاماً ورخاءً:
عرب كأنقاضٍ مبعثرةٍ..
تعفّن صمتهم في الرملِ..
إرثهم الذي خًطُّوه فيه..
محتهُ أحذية الغزاة..
وضادهم وطنت..
ويأنفُ أخذهم أجلٌ.
الانتماء للوطن مادة لاصقة في القلب لا تزول، الشاعر يحمل مخزوناً مرهفاً إلى وطنه ولاذقية العرب وكفرية حيث طفولته البكر بين المروج الخضراء وبراءة كفرية وأكفّ صباحاتها النّديّة وأريج أزاهيرها، يصور طرق الوطن كالطريق إلى كفرية التي هددها وداهمها الإرهاب على حين غرة، فينسج حكاية الوجع والمخاض والانتصار بقصائد تتغنى بالوطن المزنر بالرجولة المسيج بالإباء المغلف بالعزة والكرامة والمعطر بدماء الشهداء:
وأتقدمُ حاملاً بلادي بين أضلاعي صليباً..
صاعداً درج الضجر..
حافي المزاج وعلى مدّ النظر..
سرابٌ يتلألأ فيه غليونٌ..
محشوٌ بتبغ اللاذقية.
نعمان ابراهيم حميشة