وطــــــــن ومواطـــــن … رأينا قد يصــــــــيب!

العدد: 9430

 الأحد-22-9-2019

 

 

الفرق بين الانتماء والشكوى من المعاناة شاسع وكبير، لكن هناك من يحاول أن يجعل الأمرين متناسبين عكسياً، وهذا يؤدي إلى خلل بنيوي و(عقائدي) عن قصد أو عن غير قصد.
من حقّنا جميعاً أن نشكو، وكلّ على قدر وجعه وحسب تفاصيل همومه، لكن ليس من حقّ أحد أن يلقي علينا توب (اللا وطنية)، ولا يحقّ لأحد منّا أن يخلعه، فالالتزامات هنا أكبر من كرهنا لمسؤول أو رفضنا لإجراء، وإن كان من عمل مهم في هذه المرحلة فهو التوعية من مخاطر هذا الخلط والذي يتمّ ويكون أحياناً عن لا وعي أو تحت ضغط همّ موجع.
الوطن ليس ملك أحد، هو فضاء الكلّ، وإن أخطأ شخص ما (وإن كان في موقع المسؤولية) فلا يعني أنّ الوطن أخطأ، الوطن هو مجموعة أحلامنا وأوجاعنا وتطلعات أبنائنا، هو الرحم الذي نعيش فيه، و لا نكون من دونه..
لست (شاطراً) في الخطابات، ولم أمتهنها في يوم من الأيام، لكن ثمة تفاصيل تدفع أي غيور للتصدّي لها، وإن لم يستطع فيكفيه أجر المحاولة…
يكفيك أنك ستحمل صفة (لا مواطن، أو لاجئ، أو وافد، أو زائر) عندما تكون خارج بلدك لتعيش قسوة الغربة والابتعاد عن فضائك ولو لأيام، ويكفيك وأنت في أي مكان أن تعلم أنّ هناك قوانين تعامل وعمل خاصة بغير المواطنين (ابناء الدولة التي تتواجد فيها) لتعلم حجم الكرامة التي يوفّرها لك بلدك، أما بقية المقارنات فهي تفاصيل، ولا أحد يعرف إيلام هذه الإشارات إلا من عاش وجعها..
هذا في الحالة العادية، فما بالك وأنت الآن تحت (منّة) أنّهم استقبلوك وأنت (الهارب) من جحيم بلدك؟ أتقبل أن تكون تحت وطأة هذه المنّة طول عمرك، وأنت من أعطى السيادة مضامينها وأسرج خيول الكرامة فصهلت به ومعه وباتت علامة فارقة فيه؟
لن تكون خارج بلدك إلا رقماً في حساباتهم، أما في بلدك فإنك تصنع أرقام الحياة، وترسم خيوط الآتي من الزمن، والوقت مناسب جداً لمراجعة حساباتك، فآفاق الاستثمار والمساهمة بإعادة إعمار ما دمرّته الحرب واسعة جداً، وعودتك بأموالك قيّمة ومؤثرة جداً، فذلك أولى من ضخّ الحياة في عروق من أراد أن يسلبنا الحياة..
ليس ذات أهمية أن تصلنا أخبار (نجاحاتكم) في الخارج، فما دامت المزن لا تمطر في المكان الصحيح فلا قيمة لها، بل فوق ذلك تحجب الشمس عنّا..
أصحاب رؤوس الأموال السوريون والمنتشرون في دول كثيرة يمكن أن يكونوا رافعة حقيقية لتحسين الوضع الاقتصادي في البلد إن عادوا بشروط استثمار مناسبة لهم ولنا، فمحرّك القطار ليس اكثر أهمية من أي (برغي) في سكّته، ولكن إن بقيت معظم شروط هذا الاستثمار (لصالحهم) فليألفوا العيش خارج الوطن.
البحث عن معادلات اقتصادية تستقطب كل الأموال المهاجرة يجب أن يكون أولوية لدى صانعي القرار الاقتصادي، وألا تُبنى هذه المعادلات على منفعة متبادلة بين المستثمر ومن يسهّل له استثماره، ونكتشف بعد فوات الأوان أننا نسجنا خططنا من دخان وأوهام، فنعود للحديث عن فاسدين جدد، وعن تجّار ارتدوا ثوب الأتقياء!
أكبر ضمانة يمكن أن نرتاح لها كمواطنين أن تكون كلّ الخطوات (المتبوعة) تحت نظرنا، وأن نكون على بيّنة بأي اتفاق أو استثمار، فلا يوجد ما يمنع وضع كلّ هذه الأمور فوق الطاولة وبمسمياتها الحقيقية، أو حتى طرح هذه التفاصيل على موقع التشاركية، ورأينا قد يصيب..

غــانــم مــحــمــد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار