العدد: 9429
الخميس:19-9-2019
يسيرُ وكأنه سفينة تغرق، أمّا يداه فكانتا تتحرَّكان كمروحةٍ! يُكملُ السير مستمتعاً بما يراه، فيلتفتُ للوراء مع كُلِّ خطوةٍ يخطوها وأمنيته أن يجمع المشهدين، وقد درّب نفسه على سرعة الالتفات، فيبدو كعجلةٍ خرجت من مكانها وتدحرجت بعيداً، ليتعالى الضحك وتختلط الأصوات، وكأنها قادمةٌ من ألف عام، فيبتسم صاحبنا ويشتمُ في آنٍ معاً، ثمّ يقفز كثورٍ جريحٍ، ولا يهدّئ روعه إلاّ من جاء يحمل إليه (سيجارةً) أو كوباً ساخنةً، أما الأوراق النقدية فكان يرميها معظم الأحيان ويقول: الورق يبقى ورقاً.
لم يكن يومه الاعتيادي إلاّ نسخةً عن يوم سابق، فيطوف على طريقٍ دائريّةٍ كعقارب ساعةٍ لا تتوقّف إلاّ مع اكتمال غروب الشمس، وكان يقول: أنا في ترحالٍ يوميٍّ أعرف نهايته في كلّ يومٍ، ولستُ كهؤلاء الذين لا يعرفون وجهتهم أو حتى العودة.
الكلُّ في ضياعٍ مستمرٍّ طالما يغيّرون وجهاتهم.
إنّ الحياة – والكلام له- كسمكة في الماء لا تطلب جناحاً تطير به، أما أنتم فتمتلكون كلّ الأشياء، وترغبون بامتلاك الآخرين بما معهم وبما لديهم، ولا وقت لديكم.
أمّا أنا فلديَّ الوقت الكافي لأموت وأشبع موتاً بعد أن تتوقف خطواتي أمام حائط مقبرة.
في يومٍ اختلط مناخه، أقبل نحوي على غير عادته، وقال هامساً: أراك مهموماً، وتحتاج لرافدٍ مثلي، ثم أفرغ جيوبه التي كانت أشبه بالصدمة، فإلى جانب مقتنياته الصغيرة والثمينة جداً: (خاتمٌ ذهبيٌ)، وقال: كنت أُخبئُ نفائسي ليومٍ عصيبٍ سيأتي، وها هو ذلك اليوم قد جاء مع صاحبه الذي هو أنت.
ما زلت حتى اللحظة أفكر بهذا الرجل، ومتى سأصل إلى مرحلة الجنون تلك؟!
سمير عوض