العدد: 9429
الخميس:19-9-2019
في ذلك المساء المطير وقد طوى النهار صفحته إيذاناً بقدوم ليل آخر, رتَّب الرجل أشياءه وتهيأ للنوم, ثم راح ينصت لعويل الريح وهي تعصف خارجاً وحبات المطر تقرع باب غرفته وعلى النافذة وفي كل مكان لشدة الهطول, حبالاً مجدولة ما بين الأرض والسماء..
غاص في فراشه أكثر, وأراد إغماض عينيه مسترخياً للرقاد, علَّه يريح نفسه من عناء التفكير بما كان وما هو حاصل من أزمات خانقة, وإخفاقه في الحصول على حقوقه.. كان المطر يواصل تسكابه, والليل يزداد سواداً بتواري النجوم وراء ركام الغيوم..
أراد أن يرمي أوجاع وآلام جراحه النازفة خلف ظهره وفي حقيبة ذاكرة الأيام الماضية, وينسى كيف أفنى سنوات شبابه وأتلف عمره في العمل إنجازاً وإخلاصاً, أملاً في أن يحسب له هذا في حقل التقدير والمكافأة وبعيداً عن الانتقاد والملاحظة وأي تقصير… لكن لا سبيل إلى طمأنينة من نسيان ما عليه من ديون والتزامات ومسؤوليات لم تحل بعد.. إضافة إلى ما ألمّ به من مرض وما استجد من احتياجات الشتاء القادم طلباً للبيت والأسرة..
أخذ الرجل يتناسى هذه الهموم والمنغصات المتصلة ببعضها بعضاً, ليغفو ويستسلم لنوم عميق والصباح رباح. ولكن ما إن وقف المطر وجهجهة الضوء حتى كانت الأرجاء في الخارج مستحمة بالنور والمطر, وبدأ نهار يوم جديد ينشر الضياء لتثمر السنابل ويتفتح الورد.
أجل , فالمسألة ليست مجرد نوم فحسب, فالنوم بعد الموت أبدي لا انقطاع فيه. فبشيء من المودة والمؤالفة تنهض العلاقات وتخضرُّ اللقاءات وتثمر الحوارات, في حضرة الصحو والصدق لا النفاق والوعود الكاذبة والتسويف- وتضحى ملاذاً وجواباً من زحمة الأسئلة والانتظار .
بسام نوفل هيفا