العدد: 9429
الخميس:19-9-2019
أوجدت السينما السورية لها مكاناً مرموقاً على الخارطة السينمائية العربية والعالمية، وازدهرت وانتعشت سوقها، وأثبتت وجودها الذي صنع لها اسماً كبيراً، وقدمت إلى عالم الفنّ أسماء كبيرة انطلقت في عوالم الشهرة والأضواء، واكتشفت مواهب فذّة، وأتاحت لهم فرصة العمر لاقتحام دهاليز الفنّ السابع الذي كانت وما زالت أسواره حصينةً ومنيعةً في وجه من لا موهبة لديه.. هذا الماضي العريق الأنيق شكّل حجر أساس السينما السورية الحالية والأرض الصلبة التي يقف عليها صنّاعها ومنتجوها.
وهذا ما لمسناه في السنوات الأخيرة التي شهدت نتاجاً سينمائياً مميزاً – إلى حدّ ما- عامّاً وخاصّاً، عايش الأزمة وسنوات الحرب الصّعبة، وتحدّى الظروف والضغوطات والحصار وشتّى العراقيل مذللّاً إياها، ولم يخب بريق السينما يوماً مع كل عرضٍ جديدٍ، لكنّ إقفال بعض الصالات لأسباب بعضها يتعلّق بالصيانة وأخرى لظروفٍ قاهرة حدّ من الإقبال الجماهيري نوعاً ما، فاتجّه إلى صالات العرض في المراكز الثقافية وسواها، لكن هذه شهدت حضوراً لافتاً لا سيما للأفلام الكبيرة بأسماء ممثليهما ومخرجيها ومنتجيها.. وإن كان بعضها لم يلقَ أي إقبال، إمّا لضعف التسويق والترويج أو لغيره..
والبعض الآخر اكتفى بانتظار حضورها على شاشات التلفزة ولو بعد حين، إذ أن ذلك لا يكّلفه عناء التوجّه إلى صالات العرض، وتبقى جيوبه ملآنة بما يوّفره لتأمين حاجياته وأسرته، فمن أسباب عزوف الناس عن التوجّه إلى حضور الأفلام السينمائية توفير ثمن البطاقات مهما كان ضئيلاً لسدّ رمق أبنائه وعائلته ونفسه، والعيش بسلام وتأمين لقمة العيش الكريمة، فهذه ليست من الضروريات إنما رفاهيات، وهذه نسيتها عائلات كثيرة في خضّم الحياة ومعمعتها وجلبتها وصخبها .. واقتصر رواد السينما على أهل الأدب والفن والثقافة، وبعض الشباب المحبّ لهذا الفن، الراغب في اكتشاف خباياه، وأسراره.
ومن الأفلام السورية التي لاقت حضوراً لافتاً في صالة المركز الثقافي باللاذقية- على سبيل المثال لا الحصر:
ردّ القضاء، أمينة، مطر حمص، رجل الثورة، دمشق – حلب، وإن كانت ليست على سوية واحدة لجهة الكثافة والعدد الكبير، لكنّ بعضاً منها فاق كل التوقعات مع افتراش الحضور الأرض أو الوقوف ساعات دون أن يجد لنفسه مكاناً على المدرّجات، وهذا دليل العافية والتميّز الذي ما زالت السينما السورية تنشده وتشهده.
وفي العرض الأخير لفيلم (الاعتراف) مثلاً، شهد حضوراً جماهيرياً مقبولاً مع الأسماء الكبيرة التي حفل بها ومنهم: غسان مسعود- ديمة قندلفت- كندة حنا- محمود نصر وسواهم، والمخرج باسل الخطيب الذي قدّم أفلاماً هامة ومميزة، نالت جوائز عربية وعالمية عدة، وتدور أحداث الفيلم في زمنين، الأول الثمانينات مع عرض لإرهاب التنظيمات التكفيرية آنذاك ممثلة بجماعة الإخوان المسلمين، والثاني مع الزمن الحاضر وما تعرضت له بلدنا الحبيب من هجمة بربرية وحشية شرسة من قبل التنظيمات الإرهابية المسلحة، ويوضح الفيلم التقاطع القائم بينهما، وضياع الجيل الشّاب بين هذين الزمنين، والغموض الذي يكتنف حاضره ومستقبله، كما يستعرض الفيلم الظواهر السلبية المتعلقة بيوميات السوريين، والأزمات الاجتماعية والاقتصادية والأخلاقية التي تعرضوا لها وقدرتهم على مواجهتها وتجاوزها..
الفيلم بشكل عام وبعد أن سألنا بعض حضوره أكّدوا أنه يتميز بكمّ كبير من التشويق والمشاعر والأحاسيس الوجدانية المتضاربة والمتفاعلة والأداء الفنيّ العالي للمثلين الكبار فيه والذين سخّروا أدواتهم المهنية وتجربتهم العريقة لتقديم فيلمٍ راقٍ، يخاطب العقل دون إسفاف أو ابتذال بنصّه العميق وحواراته الشيّقة والممتعة.
بقي للقول:
إن كل تجربة سينمائية سورية جديدة تضيف رصيداً كبيراً إلى سجّلها الحافل بالماضي العريق، ليصبح الحاضر السينمائي مزدهراً متألقاً، صناعةً وحضوراً وترويجاً و . .. ، وكلّنا أمل أن تفتح صالات السينما أبوابها على مصراعيها لملاقاة روّادها وعشّاق الفنّ السابع وأهله، ولتحافظ على مجدها واسمها، ولتبقى رقماً صعباً في عالم الفن.
ريم جبيلي