التشكيليــــة ليلـــى طـــه: أزرع في لوحــــاتي تباشــــــير الحــــب والخــــير

العدد: 9429

الخميس:19-9-2019

 

تمتلك إحساساً صادقاً ومرهفاً تترجمه عبر لوحاتها التشكيلية بشفافية مطلقة، عاشقة للمفردة التراثية والألوان الحارة، لوحاتها تحمل بعداً خاصاً ينقلنا إلى عالم فيه من الألفة والحميمية الشيء الكثير ذات تناغم لوني لافت، والعناصر لديها (البيت العربي- الأصص- الأزهار- الشرفات…) تزدحم لتملأ جسد اللوحة بمفردات مكثفة تختزن بيئتها المشاهد البصرية والمفاهيم الروحية تحمل الكثير من السكينة والتفاؤل.
هي عضو في اتحاد الفنانين التشكيليين بسورية، وعضو في بيت التشكيليين، منحت درجة دكتوراه فخرية من منظومة النقطة الإشراقية للفنون التشكيلية الكونية، أقامت معارض كثيرة فردية وأخرى جماعية داخل وخارج سوية آخرها نوافذ الضوء بدمشق ومهرجان عشتار الدولي ببيروت ومهرجان عشتار دبي الدولي 2019، لها مقتنيات في المتحف الحربي ومديرية الثقافة ووزارة الداخلية ومقتنيات كثيرة خارج سورية مثل: مصر- فرنسا- كندا- بريطانيا- ألمانيا.
هي عضو في جمعية أصدقاء الفن، تحمل رسالة تربوية فنية منذ 35 سنة، ولها باع طويل في هذا المجال.
إنها الفنانة التشكيلية ليلى محمد طه ومعها كان حوارنا الآتي:

 

* لوحاتك تزخر بالموروث الشعبي والعناصر التراثية، وترسمين البيت العربي بالصورة التأثيرية الانطباعية، ماذا تقولين في هذا الكلام؟

** صحيح معارضي الحالية استكمال لمعارضي السابقة أقدم فيها الموروث الشعبي، والعناصر التراثية والزخارف المستوحاة من عناصر البيت العربي بتحولات مختلفة على سطح اللوحة حتى عناصر البيت العربي قدمتها بالصورة التأثيرية الانطباعية أي أعبر عن عناصر البيت ربما بالأثر الذي يتركه بداخلي وإحساسي به هناك حيوية وعافية ومرونة وتلقائية دائماً أربط الأماكن بالعاطفة من خلال زوايا مختلفة لإظهار روحانية المكان بتوضع أحواض وأصص الورد وحشود الكراسي والسلالم وغيرها، البيت العربي بالنسبة لي مجموعة من العناصر الحميمية والألفة ولمّة الأهل، الاهتمام بتوزيع أصص الورد والكراسي في بهو البيت وعند البحيرات والسلالم وحركة الضوء عليها يبعدنا عن تعقيدات الحياة اليومية.
لوحاتي تحاكي ذاكرة المكان السورية الجميلة بتفاصيل الهوية العربية للبيوت ذات الشرفات الواسعة، تكريس للمّة الأهل والروابط الاجتماعية القوية، من جهة أخرى الشحنات التي تتغلغل في كل أثاث البيت العربي الشرقي مثل الكراسي- الأصص المزهرة المزخرفة برموز تراثية إلى قضبان النوافذ المتوازية خلف النظرات المرتقبة لحركة ما في العالم الخارجي ليغدو البيت العربي بمجمله رحماً أسكن بداخله لأنشد لحظة الانفراج والانعتاق والتحليق بحرية، باختصار أتناول في أعمالي واقعاً وراء المعاني، وهو معادل للروح من جهة وللعقل من جهة أخرى يخضع للتوازن والتحولات، فأنا أرسم ما أراه وأحس به.

* دائماً هناك طبقات لونية متداخلة، وتناغم لوني لافت جداً، ما الغاية من ذلك؟

** من خلال هذا التناغم الهرموني بالألوان بطبقات متداخلة أربط الأماكن بالعاطفة ألغي الخط وأنشر الألوان على مساحة اللوحة لاستنباط الانفعالات والحكايات إلى حدود اللوحة، وإعطاء إحساس أكبر من مساحتها من خلال ضربات الريشة ما بين الألوان الحارة والباردة بشكل مدروس، فالألوان تحمل شحنات انفعالية وإشارات نفسية وتداعيات كبيرة، والألوان الحارة وليدة إحساس بالحميمية، أيضاً اللون هو المحرض الأول لانفعالاتنا الجمالية حيال المشاهد التي تقع على أبصارنا، وعلاقتنا مع الطبيعة واللون في اللوحة يخضع لتوازن مدروس بالإحساس بالحار إلى جانب البارد، ويعبر عن الديمومة ومصادرها الشمس والسماء.
* تولين لحركة الضوء المتبدلة وانعكاسها على الأشياء أهمية قصوى، حتى أن معرضك الأخير حمل عنوان (نوافذ الضوء)، كيف تفسرين هذا الموضوع؟
** الضوء بالنسبة لي شيء أساسي، ولا يمكن أن نرى الأشياء إلا من خلال نوافذ ضوء لها خاصة ضوء الشمس الموجود في لوحاتي هو رمز الحياة والديمومة كذلك الزوايا تعني الخصوصية، وهي أهم سمات البيت العربي طبعاً بالمعنى الإيجابي وتسليط الضوء على هذه الزوايا والأركان الموجودة بالبيت، وتوضع الأصص حولها، وهي تشع وتكشف سر العتمة من خلالها، بهذا الوميض اللوني البرتقالي المشع في الفراغ الذي يهرب من ثقل البني المعتق ليشكل حافزاً للأمل والحلم لرؤية العالم أكثر سلاماً ومحبة وإنسانية، وحركة الضوء المتبدلة أهم سماتها: التحرر من القواعد التي أكدتها الواقعية، باختصار: اللوحة هي لغة الصمت، هي كائن بصري يعتمد على اللون ودرجاته وإسقاطات الضوء ومصادره، وهنا يعتمد على مهارة الفنان في إسقاط الضوء على جوانب محددة في اللوحة، وكسر العتمة فيها ويحقق من خلالها توازناً يظهر العناصر.

* لوحتك التشكيلية غالباً مكونة من عدة لوحات مجموعة في لوحة واحدة، حتى إن اسمك ارتبط باللوحة المجزأة بشكل شاقولي أو أفقي خاصة في المهرجانات، هل لاقت هذه اللوحة استحساناً عند المتلقين؟ وماذا تريدين أن تقول عبر هذه الطريقة؟

** تناولت المربع أو المستطيل كوحدتي بناء، وضمنتهما المعاني والرموز مثلاً الكرسي رمز للتوازن، والأصيص رمز الاحتواء ولمّة الأهل، والحمد لله لاقت هذه التجربة قبولاً وإعجاباً لدى المشاهدين سواء كانوا داخل القطر أو خارجه، اللوحة بكل أشكالها هي النص الذي يسجل الفنان عليها هواجسه وأحلامه ومشاعره وانفعالاته، وما تحتويه اللوحة الفنية يكون بمثابة الكهرباء لاستنهاض المشاعر عند المتلقي، حتى طريقة العرض بشكل أفقي أو عامودي يكون موظفاً لخدمة موضوع اللوحة، اللوحة المجزأة ربما تعبر عن حالة التشتت والانقسام للبيت العربي، وعناصر البيت بالمربع أي وحدة متماسكة أمل باللمّة للبيت العربي، وربما تعبر عن السلبية المطلقة التي يعيشها إنسان اليوم، والحياة الاجتماعية والطوفان الذي نسف عادات وتقاليد الأسر بالمقابل اللوحة المقطعة هي خير تعبير عن حالات إيجابية عن تماسكنا وتلاحمنا على حب الأرض والوطن ولمة الأهل. هذه التجربة هي حالة تعبيرية من استنباط الذاكرة.
* برأيك، إلى أي مدى تعبر اللوحة الفنية عن التناقضات الداخلية لدى الفنان؟
** اللوحة كائن بصري، والفنان يعيش هاجس تحقيق المعادل النفسي بين الداخل والخارج، والفن هو مرآة تعكس لنا صورة الفنان الداخلية، والتي من خلالها نستطيع تحويل الآلام إلى معان وحكايات تضيء الخفايا، وتخفف من ثقل أعبائنا، ويعيد الفن لنا الإحساس والاتصال بالعالم والوجود، ويجدد حياتنا، من جهة أخرى ينسج الفنان مع نفسه مكاناً لاستنباط روحي من ألم داخلي، كما يعكس حالات إنسانية وطبعاً كلما اقتراب الفن من الإنسان كان الأصدق بالمطلق.
* كلمة أخيرة للتشكيلية ليلى طه
** لا بد للفنان من معايشة قلق ولادة عمله الفني، وإلا حكم على نفسه بالموت، الفنان دائم البحث عن صيغ ومفاهيم بصرية وطرق عرض لكي يصل بعمله إلى حالات الهيام والتوحد مع نفسه، ومع المحيط الذي يعيش فيه بالوقت ذاته.
أخيراً أقول – كما أردد دائماً- أنا أغمس ريشتي الحالمة في عمق التاريخ الذي تحمله أوغاريت التي أهدت للبشرية خطابها الإنساني ليكون حواراً حميمياً بين الأمم وأنا في لوحاتي أزرع في أصصها بقايا أحلام عبر الورود لأضعها في أول كل طريق من طرق بلادي لتنشر تباشير الخير والحب لغدٍ مشرقٍ مفعم بالأمل والآمال بعودة الأمن والأمان إلى كل شبر من ربوع وطني الغالي سورية.

رفيدة يونس أحمد

تصفح المزيد..
آخر الأخبار