أنغام “النادي الموسيقي” تعانق فجر سوريا الجديد.. واللاذقية توثّق ذاكرتها الحية في عرس ثقافي

الوحدة- ريم ديب

في خطوة تعكس حيوية المشهد الثقافي وتناغمه مع مرحلة الانفتاح والتعافي التي تشهدها البلاد، تحتضن أروقة “المتحف الوطني” في اللاذقية مساء اليوم، التظاهرة الاحتفالية الكبرى “اللاذقية تغني”، التي يقيمها النادي الموسيقي بمناسبة يوبيله الماسي. هذا الحدث لا يكتفي بكونه حفلاً موسيقياً، بل يمثل وثيقة بصرية وسمعية تؤرخ لذاكرة المدينة، وتعلن انطلاق مرحلة جديدة من البناء القيمي والروحي بالتوازي مع انتصارات الوطن.
ترتكز الرؤية الفكرية للاحتفالية، التي صاغ سيناريو وإخراج فصولها الفنان الياس الحاج، على مفهوم “الموسيقا لغة إنسانية تجمع الشعوب”. وفي هذا السياق، يؤكد الحاج أن اختيار المتحف الوطني مسرحاً للحدث يحمل دلالة رمزية عميقة، حيث تعانق “النوتة الموسيقية السورية الأولى” تطلعات الحاضر.
ويضيف الحاج: “إننا في هذه الاحتفالية لا نقدم عرضاً عابراً، بل نغني بأصوات الحرية للنصر السوري، وللإنسانية، وللطبيعة، مستندين إلى دعم حكومي ومؤسساتي تكاملت فيه جهود وزارة الثقافة ومحافظة اللاذقية لتقديم مشهدية تليق بـسوريا الجديدة”.
التوثيق بدلاً من الترفيه العابر
من جانبه، أوضح المايسترو حسن طحان، رئيس النادي الموسيقي والمشرف الموسيقي للعمل، أن النادي الذي يمتد إرثه التأسيسي إلى العام 1932، يهدف من خلال “اليوبيل الماسي” إلى ترسيخ مبدأ الوفاء.
ويشير طحان إلى أن الفكرة المحورية ليست “الغناء للغناء”، بل “التوثيق عبر الفن”. حيث سيتم تكريم نخبة من الرواد الذين شكلوا الذاكرة الجمعية للمدينة والوطن، أمثال الموسيقار محمود عجان، والمؤرخ جبرائيل سعادة، والأديب الكبير حنا مينه، والفنان الراحل نضال سيجري، إلى جانب قامات معاصرة لا تزال تثري المشهد بإبداعها، مؤكداً أن هذا التكريم هو “تحية لأرواح المبدعين ورسالة تقدير للأحياء الفاعلين في بناء المجتمع”.
الشراكة الاقتصادية: دعامة للثقافة الوطنية
وفي تجسيد لمفهوم المسؤولية الوطنية للقطاع الاقتصادي، برزت غرفة تجارة وصناعة اللاذقية كشريك استراتيجي في هذا الحدث. وفي تصريح خاص، أكد الأستاذ أنس جود، رئيس الغرفة، أن دعم الحراك الثقافي هو جزء لا يتجزأ من “إعادة الإعمار المجتمعي”.
ويرى جود أن المرحلة الحالية، التي يصفها بـ “عهد النصر الأول”، تتطلب عملاً دؤوباً بصمت خلف الكواليس، مشدداً على أن “اللاذقية تستحق أن توثق تاريخها وتصدح بفنها، وأن الغرفة ستظل داعماً لكل مبادرة مثمرة تعزز مكانة سوريا الحضارية”.
تمثل الاحتفالية جسراً بين جيل الرواد وجيل الحداثة. حيث يشير الفنان القدير نسيم طيار، عميد هندسة الصوت والإضاءة، إلى أن التحدي يكمن في تطويع التكنولوجيا الحديثة لخدمة “الروح الإنسانية” في الفن، رافضاً أن يطغى “الذكاء الاصطناعي” الجاف على إحساس المبدع.
ويتكامل هذا الطرح مع رؤية المشرف الفني مالك بشور، الذي يستحضر تاريخ النادي العريق في تخريج الفرق المسرحية والموسيقية، مؤكداً أن النادي الموسيقي كان ولا يزال “مفرخة للمبدعين” الذين حملوا راية الفن السوري إلى العالم، أمثال نجوم الدراما أسعد فضة، عابد فهد، وجهاد سعد، الذين سيكون لهم نصيب وافر من التكريم.
عندما ترفع الستارة مساء اليوم في المتحف الوطني، لن تكون اللاذقية مجرد مدينة تحتفل بذكرى تأسيس نادٍ، بل ستكون قلباً ينبض بالأمل، معلنةً عبر حناجر أبنائها وموسيقاهم أن سوريا، مهد الحضارات، تنهض من جديد، قوية، مبدعة، ووفيّة لتاريخها العريق.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار