الوحدة – غانه عجيب
في جعبة هذه السنة قصص كثيرة عن التحدي والإنجاز، وفي مقدمة الملفات التي تمس حياة المواطن اليومية يأتي قطاع الكهرباء ذلك الملف الذي لطالما كان مرادفاً للمعاناة والإحباط.
لقد عانى الناس لسنوات طويلة من سوء التغذية الكهربائية، والتي تحولت من خدمة أساسية إلى حلم بعيد المنال، هذا الواقع المرير لم يؤثر فقط على راحة الأسر في منازلها، بل شل حركة الحياة الاقتصادية برمتها، فقد توقف المزارعون عن ضخ المياه لري مزروعاتهم، وتعطلت الآلات في المصانع، وخمدت الأنوار في المحال التجارية، في ذلك الزمن الصعب اضطر عدد قليل ممن تسمح ظروفهم المادية إلى البحث عن بدائل فردية، كاللجوء إلى الألواح الشمسية في محاولة يائسة لسد جزء من الحاجة.
لكن الصورة اليوم وبعد عام من التحرير تختلف، فبفضل جهود جبارة يبذلها عمال ومسؤولو قطاع الكهرباء، بدأت ملامح التغيير الإيجابي تظهر، هذه الجهود تتجسد في عمل دؤوب لإصلاح الأعطال الطارئة تحت وطأة ظروف بالغة الصعوبة، واستبدال الشبكات الهوائية المتهالكة بشبكات أرضية أكثر أمناً وكفاءة، رغم شح الإمكانيات.
لا يمكننا التحدث عن إنجازات هذا القطاع دون الإشادة بالبطولات الصامتة لفرق الصيانة والفنيين، إنهم يعملون في ورش تفتقر إلى أبسط المستلزمات، ويخاطرون بحياتهم لاستعادة الخدمة، ليس فقط بسبب التقادم الطبيعي للشبكات، بل وأيضاً بسبب سرقة الكابلات والمحولات التي يمارسها ضعاف النفوس، مما يزيد المهمة تعقيداً ويطيل أمد معاناة الجميع.
نعم الانقطاعات ما زالت مستمرة، ولا أحد يجادل في أن الطريق طويل أمام تحقيق الاستقرار الكامل في التيار الكهربائي، فهناك إرث ثقيل من الدمار وشبكات مهترئة تحتاج إلى إعادة تأهيل شاملة، ولكن الفارق بين الماضي والحاضر هو الأمل والإرادة، الفارق هو أن هناك خطة وعملاً متواصلاً، وأن كل محرك ديزل يتم إصلاحه، وكل كابل يتم استبداله هو انتصار صغير في معركة البناء الكبرى.
إن ما تحقق في عام هو بداية مشوار، إثبات على أن الإرادة قادرة على تحويل “حلم” الكهرباء إلى واقع دائم، التحديات كبيرة من سرقة المعدات إلى نقص التمويل، لكن الزهرة التي تزهر من بين الرماد اليوم هي برهان على حيوية هذا الشعب وصموده، المسؤولية الآن جماعية وعلى الجهات المعنية مواصلة الدعم وتوفير الحماية للشبكات، وعلى المجتمع تعزيز الوعي بحماية المال العام، وعلينا كمواطنين أن نتحلى بقدر من الصبر ونقدر حجم الجهد المبذول.
عام على التحرير علمنا أن أعظم الإنجازات تبدأ بخطوة، وأن إصلاح ما دمرته سنوات من الإهمال يحتاج إلى وقت وإلى تضحيات، قطاع الكهرباء يسير في الطريق الصحيح وهو بحاجة إلى دعمنا جميعاً ليكمل مسيرته، حتى يعود التيار مستقراً ليس كخدمة فحسب، بل كرمز من رموز السيادة والكرامة الوطنية.