العدد: 9428
الأربعاء:18-9-2019
الذهب هو أحد العناصر القليلة ذات العدد الذري المرتفع ويعتبر من ضمن المجوهرات النبيلة فهو يستخدم في صك العملات وفي صناعة الحلي إضافة إلى الأعمال الفنية، ويلعب دوراً مهماً في الأداء الاقتصادي لذلك هناك غطاء احتياطي لكل بلد أو دولة.
ولعل أكثر الأمور إثارة للجدل بين الناس الارتفاع الحاد في أسعار الذهب ما أدى إلى عزوف الكثيرين عن شرائه من مصنعين وتجار، ولكن مهما ارتفعت حرارة الأسعار يظل المعدن الأصفر يضيء محتفظاً ببريقه ويتحكم في كثير من الأمور مؤكداً على أصالته ومتعة الكثيرين في اقتنائه.
حركة البيع والشراء
وبناءً عليه فإن الذهب مادة دسمة لحديث وكلام الناس ومراقبة أسعاره يوماً بعد يوم، واليوم وفي ظل ما تشهده هذه المعادن من حركة الارتفاع والانخفاض المفاجئ فقد أصبحت حديث الكثيرين، فهل يؤكد ذلك وجود اضطراب في أسواق الذهب والذي يميل إلى استثمار الكثيرين له.
من خلال جولة على سوق الصاغة لاحظنا قلة في الإقبال على المحلات الخاصة ببيع الذهب فعند دخولنا إلى إحدى المحلات سألنا صاحب محل ذهب عن حركة الإقبال لشراء الذهب فأفاد: في هذه الأيام وبسبب الارتفاع لأسعار الذهب أصبح عدد الزبائن قليلاً نوعاً ما ولكن هناك عادات وتقاليد شرقية تتطلب شراء الذهب في غالبية المناسبات والأفراح فهي تثقل كاهل المقبلين على الزواج.
ويقول صاحب محل ذهب: لا أحد قادر على مجاراة الارتفاع اليومي وغير المعقول لسعر الذهب مما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية لهذا المعدن، حيث فشلت كل التوقعات في حدوث تراجع بسعره فالغالبية من المواطنين يقومون بعملية بيع الذهب لعلهم يحققوا بعض المكاسب المادية واستثمار المال الذي يجنونه من بيع الذهب والمجوهرات بأمور اقتصادية أخرى ما دامت فكرة هبوط سعر الذهب لا تلوح في الأفق.
ويشير أحد باعة الصاغة: إلى أن الطلب على المجوهرات انخفض بشكل ملحوظ خلال الآونة الأخير بسبب ارتفاع سعر الذهب العالمي والمحلي والانخفاض مقابل انخفاض سعر الصرف. وأضاف لا يوجد لديَّ أي رأي حول ذلك سوى أن هناك عوامل خارجية تتأثر بارتفاع وانخفاض سعر الذهب عالمياً بشكل عام، وإن ارتفاع سعر الذهب بهذه الصورة يعود إلى الوضع العالمي المضطرب وإلى حالة القلق التي ولدّتها الأزمة التي تمر بها سورية، ولكن ما يلفت أنه وعلى الرغم من ذلك لا يزال الناس يلجؤون إلى الاستثمار في الذهب لأنه معدن ذو قيمة مادية عالمية وأن خسارته محدودة.
وتابع: نحن لا نجني أي فائدة مادية من ارتفاع سعر الذهب ومن الأفضل أن يكون سعره متدنياً بالنسبة إلينا لأننا نشتري الذهب بالسعر نفسه، فهناك ركود في حركة مبيع المجوهرات وعلى الرغم من معاناتنا ليس هناك أي توقعات حول هبوط الأسعار فنحن مضطرين إلى فتح المحال واستقبال الزبائن.
تذبذبات أسعار الذهب
عند خروجنا من المحل صادفنا آنسة تنظر إلى واجهة محل الذهب فدخلنا في الحديث معها فقالت سعاد حسن: نحن كمواطنين نقوم بتأمين الحياة المعيشية الأساسية والهامة لمتابعة الحياة اليومية ولكن مثلنا مثل بقية شرائح المجتمع نهتم بأسعار الذهب لأن الذهب عبر التاريخ مادة استثمارية للجميع، فاليوم نرى أسعاره في تأرجح مستمر بالارتفاع فالانخفاض قليل وتشهد أسعاره حالة من التذبذب حيث يهبط السعر لمدة يومين أو ثلاثة ثم يعاود الارتفاع مرة أخرى، ووفقاً لذلك فقد غابت المظاهر التي كنا نقوم بها سابقاً من اقتناء المجوهرات الذهبية عوضاً عن جمع المال، ومن جهة أخرى مهما تم تحويشه من المال على مدى سنوات عدة لا يكفي شراء بضع غرامات من الذهب، فالراتب الشهري لا يمكن أن يشتري غراماً من الذهب، لذلك فقد غابت كافة المظاهر التي كانت تتباهى بها المرأة على مدى عصور متعددة في التزين بالذهب وأصبحت العادات القديمة وهي تقديم هدايا القطع الذهبية أيام الأعياد والمناسبات في النسيان.
في ضوء ما تقدم هل يعتبر ارتفاع أسعار الذهب مقترناً بسعر الصرف أو بمقدار العرض والطلب أو بحالة الاستقرار أو الوضع الراهن أم أن هناك مضاربات يقوم بها بعض التجار أو المستثمرين لخلق ما يسمى الفوضى السعرية أو ما شابه ذلك، فبالتوازي مع انخفاض سعر الصرف يواصل سعر الذهب ارتفاعه.
وعن تأثير هذا الارتفاع نتابع بعضاً من الآراء فقد تحدث أيهم محمد أن الوضع المعيشي صعب وعلى الجهات المعنية التدخل السريع لإيقاف هذا الارتفاع غير الطبيعي لأن ارتفاع سعر الذهب يؤدي إلى ارتفاع أسعار كافة المواد والسلع الغذائية، وكما وصف بأن راتبه لا يكفيه لعدة أيام في الشهر فكيف يمكن أن يدّخره لشراء غرام ذهب والذي وصل في الآونة الأخيرة إلى ما يفوق الـ 27300 ليرة للغرام، ويتابع أن التجار استغلوا ارتفاع الدولار وعكسوه على كافة المستلزمات المحلية بما فيها الذهب حتى على المستلزمات المدرسية كونها تزامنت مع ارتفاع أسعار الذهب وافتتاح المدارس، فهل يعقل أن ارتفاع سعر الدولار يرفع معه من الإبرة إلى أجرة النقل بحجج مضللة وغير متناهية فكل شيء نال نصيبه من هذا الارتفاع.
السيدة أم عمار قالت: إن هدايا الذهب التي كانت تقدم في الأعياد والمناسبات حل محلها هدايا أخرى كالملابس والأجهزة الكهربائية والمنزلية، فغالبية الأزواج استعاضوا عن المجوهرات بزجاجات عطر وهذا ليس فقط لارتفاع أسعار الذهب فحسب بل لأن لهيب الغلاء يحرق الأخضر واليابس من الرواتب والمدخرات، وعلى الرغم من الأوضاع الاقتصادية التي لم تعد كما كانت سابقاً هذا ما يدفعنا إلى دعوة الأمهات إلى مراعاة ظروف الشباب مع عدم وضع شروط تعجيزية منوهين إلى أن سعر الشبكة لا يعكس مكانة العريس لدى الأهل.
أيمن شهلا مهندس: الارتفاع الحاد لهذا المعدن أفقد المناسبات بريقها نظراً لعجر أغلب الناس عن مجاراة الأسعار التي تتصاعد، وإن المقبلين على الزواج هم أكثر تضرراً من هذه الظاهرة، وخاصة من عائلات تشترط كمية ونوعية معينة من المجوهرات لإكمال مراسم الفرح وهذا ما يضع الشبان من ذوي الدخل المحدود أمام خيارين أحلاهما مر إما تأجيل الزفاف أو إلغائه بصورة نهائية وهذا ما يبقي مستقبل غالبية الشبان مجهولة.
ولعله من المفيد في هذا التحقيق أن نستعرض بأن الذهب كان ولا يزال وسيلة ادخار ممتازة لبعض شرائح المجتمع الغني في وقت تشهد فيه السوق تذبذبات لسعر الصرف والمعدن الأصفر، حيث بات أصحاب رؤوس الأموال يلجؤون إلى الذهب بشكل ليرات أو أونصات لأن امتلاك هذا المعدن يحميهم في الأوقات الصعبة مقابل الليرة السورية.
وفيما يخص هذه المسألة حدثنا شعيب يونس، موظف: الكثير من التجار يستغلون ارتفاع أسعار الذهب لجني المكاسب المادية على حساب المواطنين وخاصة ذوي الدخل المحدود لتحقيق أكبر عائد بدون مخاطر فبعد موجة كبيرة من ارتفاعات أسعار الذهب التي وصلت مؤخراً إلى حدود 27300 ليرة للغرام مع الارتباك الكبير الذي شهده المواطن تجاه ذلك، وهنا يبرز السؤال الهام جداً: هل ينخفض الذهب مجدداً بشكل حقيقي ليشهد حالة من الثبات والاستقرار من دون ارتفاع بشكل تصاعدي؟!
تأثير أسعار الذهب بالمواد الأخرى
قصدنا أسواقاً أخرى تهتم ببيع الألبسة والمواد الغذائية لمعرفة رأيهم بعد انخفاض سعر الذهب، فهل انخفضت أسعار المواد لديهم فالكثير منهم لم يدلِ بأي رأي حول ذلك وآخرون أفادوا بأن هناك جهات معنية بذلك فهي التي تقوم باتخاذ كافة الإجراءات اللازمة حيال ذلك ومنهم من أكد على أن أسعار الذهب تتأثر بالعوامل الدولية سواء بالزيادة أو النقصان وبدورها حدثتنا نبيلة حرفوش حول ذلك:
نتمنى نحن المواطنين أن نكون على علم كيف تتأثر أسعار الذهب بالسوق من خلال ما تشهده المواد من ارتفاع مبالغ به جداً، ففي الآونة الأخيرة وصل سعر غرام ذهب إلى مستوى الراتب لذوي الدخل المحدود، وأمام هذا الواقع السيئ ما هي التوقعات المستقبلية التي تفيد بأن سعر الغرام قد يصل إلى 30 ألف ليرة، فمهما انخفض سعر الذهب يبقى الإقبال على الشراء ضعيفاً جداً بسبب الأزمة الاقتصادية التي يمر بها، فكثير من العوائل قامت ببيع ما تقتنيه من مجوهرات لزوم الحياة المعيشية وارتفاع أسعار غالبية المواد والسلع.
أسباب ارتفاع الذهب
ولمعرفة ما هو سبب الارتفاع والانخفاض المفاجئ لأسعار الذهب وهل يتراجع حجم المبيعات بسبب الارتفاع؟ أم أن المضطر يركب الصعاب؟ وما هي العوامل المؤثرة على أسعار الذهب؟ وللإجابة على هذه التساؤلات التقينا رئيس جمعية الصاغة السيد مروان شريقي الذي أفاد الآتي: شهد سوق الذهب ارتفاعاً ملحوظاً في أسعاره ما أثار تساؤلات كثيرة من قبل المواطنين حول هذا الارتفاع فالعرض والطلب ليس هما الوحيدان اللذان يتحكمان في أسعار الذهب، فهناك علاقة بين الذهب والدولار فسعر الأونصة ارتفع عالمياً بالإضافة إلى أسباب خارجية تتعلق بالارتفاع العالمي لسعر الذهب، وأكد بأن التصريحات الاقتصادية أو السياسية الخارجية وخاصة في دول الخليج قد تؤثر بالأسعار، لأن أسواقنا المحلية ما هي إلا مرآة لما يحدث في السعر العالمي بشكل عام، وقال بأن ارتفاعات الذهب المتوالية لم تؤثر على حركة البيع إلا أنها ساهمت في تقليل الغرامات.
وتعليقاً على سؤال حول تهريب المادة أفاد شريقي: أن أسعار الذهب التي تباع في السوق السوداء تكون مُسعّرة بنفس تسعيرة السوق المحلية لأن الذهب يجب أن يُسعّر على الدولار وذلك نتيجة ارتباطه بسعر الدولار والأوضاع السياسية العالمية وفي المنطقة وإلا فأن هذه المادة ستهرب إلى خارج البلاد مما يؤدي إلى ضعف الاقتصاد الوطني.
ومن جانبه أفاد شريقي: أن من أهم أسباب ارتفاع سعر الذهب هو الضغط على الدولار الأميركي وحرب التجارة العالمية بين الدول العظمى والأوضاع الأمنية بشكل عام العالمية منها والمحلية، واليوم وصل سعر غرام الذهب عيار ال21 إلى 24800 ليرة كما وصل سعر الدولار إلى 615 ليرة وهذا مؤشر طبيعي بانخفاض اسعار الذهب والمجوهرات.
وأضاف أن هذه الفترة مؤمنة وسوف تعود الأسعار إلى وضعها الطبيعي خلال الفترات القادمة بعد انخفاض شدة التوترات بين الدول الكبرى، وسوف تتجه الاستثمارات نحو وضعها الطبيعي، وأشار شريقي: إلى أنه وعلى مدى السنوات الماضية كانت الدولة ومازالت قادرة على تثبيت سعر الدولار بشكل طبيعي وهذه التأرجحات والتذبذبات ناتجة عن أسباب عالمية، فالذهب بشكل عام يخضع لأسعار البورصة العالمية، مؤكداً على أنه يوجد آليات للتحكم بالأسعار محلياً.
كما نوه شريقي: إلى أن البنك المركزي وجمعية الصاغة في دمشق هما المخولان في تحديد أسعار المبيع لمادة الذهب كي لا يتم تهريبها خارج القطر، وأوضح إلى أنه يتجه الكثيرون إلى الاحتفاظ بالذهب لأن استثماره يعد ملاذاً آمناً لكثير من الناس حيث يلجأ المواطنون لاستثماره لأن ذلك يساهم في رفع سعره..
وحول البيع والشراء أوضح شريقي: أن الطلب في الوقت الحالي قليل جداً وهناك إقبال كبير على بيع المصوغات والمجوهرات الذهبية على عكس حركة البيع.
وحول أسعار الذهب حدثنا أيضاً معاون رئيس جمعية الصاغة السيد يوسف العبسي الذي أفاد: أن مهنة تجارة الذهب تعد من المهن الشريفة والأخلاقية لأن آليات البيع والشراء تكون بشكل نظامي وقانوني حيث تباع وتشترى المادة بالغرامات الدقيقة دون زيادة أو نقصان فمادة الذهب ترتفع وتنقص حسب الأسباب العالمية وغير العالمية، على عكس التجارات الأخرى كالغذائية والصناعية وغيرها فهي تشهد تذبذبات يومية وبشكل مستمر دون انخفاض، فعندما يرتفع الدولار ترتفع كافة المواد والسلع وعند انخفاضه تبقى الأسعار كما هي عليه، وإذا سُئل التاجر عن ذلك تكون الإجابات والردود جاهزة وهي أنه تم شراء المواد عندما ارتفع الدولار ولو كان ذلك ليوم واحد ولساعات متعددة عكس مادة الذهب، حيث يشتري بائع الذهب بأسعار مرتفعة وبعد يوم أو يومين تنخفض أسعاره فيقوم الصائغ بالبيع بالسعر الرائج لا بالسعر المرتفع مما يؤدي إلى خسارته، لذلك أقول بأن مهنة تجارة الذهب من المهن الأخلاقية والشريفة.
بثينة منى