مع انطلاقة صحيفة الثورة.. ذاكرة التاريخ يسطّرها ورق اليوم

الوحدة- ريم جبيلي

صحيفة “الثورة” السورية ليست مجرد صحيفة يومية عادية، بل هي واحدة من أعرق الصحف السورية، أُسّست عام 1963، وكانت لفترات طويلة تمثل المنبر الهادف والمرآة التي تعكس هموم الناس وتطلعاتهم.
إن عودة صدورها الورقيّ اليوم بعد انقطاع لسنوات ليس مجرّد حدث إعلامي عابر، إنها بمثابة محاولة لإعادة إحياء جزء من ذاكرة سوريا- ذاكرة في طياتها آلاف اليوميات وآلاف القرّاء الذين اعتادوا على النسخة الورقية.
لهذا، إنّ قرار العودة إلى الورق يحمل بعداً رمزياً خاصاً كفيلاً بالتأكيد أن الصحافة المطبوعة لم تزل حيّة، وأن هناك من يؤمن أن “رائحة الورق” وقراءة الصحيفة فعلاً لهما قيمة لا تعوّضها الشاشة لكثير من المتابعين والقرّاء.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه: في زمن الرقمنة، هل مازال الورق يحتفظ بمكانته حتى الآن؟
بالطبع، لا يختلف اثنان على أن الصحافة الرقمية ازدهرت بقوة خلال العقدين الماضيين، وانتشر الإعلام عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، ما غيّر عادات القراءة والتلقّي والقاعدة الجماهيرية، حتى أن كثيراً من الصحف العالمية توقفت عن الإصدار الورقي لأسباب مالية وتقنية واتجهت نحو الإنترنت والإعلام الرقمي لتواكب عصر السرعة الرقمية، لكن في ظل ما مرت به سوريا من دمار واسع في البنية التحتية، حرب، نزوح، وانقطاع في الخدمات…  لم يعد يملك كل قارئ إمكانية الاتصال الدائم بالإنترنت وبالتالي لا يمكنه الاعتماد على الشاشات الرقمية، وهكذا وفي هذا المناخ، فإن الورق يستعيد جزءاً من أهميته كوسيلة أكثر استقراراً وموثوقية، لا تحتاج كهرباء أو اتصالاً دائماً بالإنترنت، إنما كل ما تحتاجه مجرد توزيع في الشوارع والمكتبات، ووصول آمن لأيدي القرّاء.
من هنا، فإن عودة صحيفة “الثورة” الورقية يمكن أن تكون استجابة لواقع اجتماعي ليس افتراضياً، وظروف محيطة تجعل من الصحافة المطبوعة خياراً مهماً، وحتى ضرورة ملحّة.
لكن ما الهوية البصرية الجديدة لصحيفة “الثورة” التي يترقّبها الجمهور؟ بحسب الإعلانات الترويجية لانطلاقة الصحيفة، فإن العودة ليست مجرد طباعة أعداد فحسب، بل ترافقها “إعادة هيكلة شاملة” ستشمل تحديث الهوية البصرية، وتحسين آليات الطباعة، وتجديد أساليب الكتابة والصحافة بما يتماشى مع التحولات الحالية، لاستقطاب أقلام جديدة تضخ دماءها في شرايين الصحيفة.
إلى جانب ذلك، لابد وأن الصحيفة ستكون صوت المواطن، وأكثر احتراماً لحاجة الناس إلى تغطية قضايا حياتية يومية، اجتماعية، اقتصادية هامة.. إذا تحقق ذلك، فعودة “الثورة” لن تكون مجرد عودة ورقية بقدر ما تعني ولادة جديدة لصحيفة تراهن على مصداقية المحتوى والقرب من الواقع.
لكن التحدي الكبير هو جمهور اليوم، وقدرة “الثورة” على إنتاج محتوى يلامس هموم السوريين المعاصرين، ويواكب أذواق الجمهور، وهذا أمر لا شك ولا لبس فيه.
إن الصحافة ليست مجرد كلام يُنشر، إنها مرآة للمجتمع، وسجل للتاريخ، وعودة “الثورة” الورقية تعني أن هناك من يرى أن هذه المرآة مازالت تعكس الواقع، وأن التاريخ يحتاج لأن يُكتب بالورق لا أن يبقى حبيس الشاشات.
عشرات الآلاف من السوريين تمثّل لهم عودة الصحيفة الورقية فرصة لاستعادة طعم الصحافة اليومية الملموسة، تُقرأ في الصباح مع فنجان قهوة، تُلمس بأصابع اليد، ونحتفظ بها في رفوف البيوت كذاكرة للزمن.
عودة صحيفة “الثورة” للإصدار الورقي اليوم هي أكثر من مجرد خبر صحفي أو حدث عابر، إنها رمز من رموز محاولات إعادة بناء- ليس فقط الإعلام، بل جزءاً من النسيج الثقافي والاجتماعي لسوريا.
إنها تذكير بأن الورق لا يزال قادراً على الصمود رغم زحف الرقمنة، وأن الصحافة كانت وستبقى جزءاً من تاريخ البشر، لاسيما إذا كانت العودة مدعومة برؤية واضحة ومضمون يُحترم، فإنها حتماً تمثل فرصة لتجديد الثقة بين الصحيفة والقارئ، وإحياء للصحافة المطبوعة في مجتمع يحتاج إلى مصادر موثوقة للمعلومة.
#صحيفة_الثورة_السورية
#فاصلة_جديدة

تصفح المزيد..
آخر الأخبار