رحلة يسرى محمد علي من القرية إلى فضاءات الإبداع في طرطوس

الوحدة – رنا الحمدان

انطلقت يسرى محمد علي من قرية خربة الريح في ريف طرطوس لتنسج مسيرتها الإبداعية بخيوط من الشغف والمثابرة. فبعد حصولها على شهادة الثانوية العامة – الفرع العلمي من مدرسة أنور الجندي في قرية البريكية منتصف التسعينيات، ورغم أن مجموعها كان يؤهلها لدراسة الهندسة الزراعية، اختارت الالتحاق بالمعهد العالي للفنون المسرحية (قسم المسرح)، قبل أن تعود إلى طرطوس وتواصل طريقها الفني عبر معهد الفنون، حيث بدأت رحلتها الفعلية مع الإبداع.
تتذكر يسرى بداياتها فتقول إن حب السنّارة رافقها منذ الطفولة، حين تعلمته من والدتها وجارتها الموهوبة، فيما كان والدها المحب للرسم مصدر إلهام دائم لها. وتوضح أن القرية لم تمنح أبناءها إرثاً مادياً، لكنها منحتهم شغف التعلم وحب التميز، ما جعلها ورفاقها يتسابقون على أجمل خط وأجمل رسمة في سنوات الدراسة الأولى.
ومع انتقالها بين بلدان مختلفة بحكم عمل زوجها، تراكمت في ذاكرتها مخزونات غنية من الجمال البصري، انعكست لاحقاً على أعمالها الفنية، فمزجت بين ما تعلمته في معهد الفنون من الرسم والتصميم والخياطة والكروشيه والأنسجة، وبين ما شاهدته في تلك البيئات الجديدة.
وتقول يسرى: عملت في مدارس عدة، ثم استقر بي الحال بين مدرسة الفنون ومعهد الفنون في طرطوس، لأنقل خبراتي للطالبات وأرافق خطواتهن الأولى في عالم الإبداع.
وفي عام 2018 بدأت بتأسيس عملها الخاص، تزامناً مع تدهور الأوضاع الاقتصادية، فعرضت منتجاتها على إحدى صفحات التواصل الاجتماعي، وتشمل مفارش مطرزة، أغطية طاولات، كنزات وجواكيت صوف، ولوحات من جلد الأرنب، وغيرها من القطع حسب طلب الزبائن.
وتؤكد يسرى أن تطور موهبتها كان ثمرة جهد شخصي ورغبة حقيقية، ففن الكروشيه “لغة ذات رموز”، وفكها يحتاج إلى فهم ودقة، تماماً كالمهندس الذي يبدأ مشروعه برسم تخطيطي قبل التنفيذ.
أما عن أسعار قطعها، فتشير إلى أنها تُقدَّر حسب التكلفة والوقت والجهد المبذول في إنتاج كل قطعة، لكنها مع ذلك تمنح مساحة من قلبها لكل من ترغب في التعلم، فإلى جانب طالباتها، تُعلم أحياناً بعض الفتيات مجاناً دعماً لمن لا تسمح ظروفهن بدفع التكاليف للبدء بخطواتهن الأولى في هذا المجال.
ولا تقف حدود الإبداع عند الخيط والصوف، إذ تعمل يسرى على إعادة تدوير الكثير من الملابس والمواد التالفة، وحتى أكياس النايلون، فتحولها بعد قصّها وتمريرها على الغاز إلى خيوط تستخدمها بإبر “النفش” لصنع لوحات للمباركات وزينة الأعراس.
بهذه الروح تواصل يسرى محمد علي تحويل التفاصيل الصغيرة إلى جمال ملموس، وتحول موهبتها إلى رسالة تنتقل من يد إلى يد ومن قلب إلى قلب، لتثبت أن الفن يمكن أن يولد من أبسط الأشياء، ويكبر بالكثير من الحب.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار