العدد: 9427
الثلاثاء:17-9-2019
أية طيبة وبساطة لفّت حياتهم، وأية طرافة وبلاغة ضمتها كلماتهم وهم يعرفون ولد الولد الذي يفوق محبته والديه، بهذه الكلمات الجميلة والمعبرة استهل المؤلف حيدر نعيسة حديثه عن صراع الأجيال وذلك عبر صفحات كتابه: (كان في قرانا) متسائلاً: كيف ينظر ابن المائة عام لأبناء هذه الأيام وإن قيل لمعمر قروي فلاح: ما رأيك بهذا الجيل فماذا سيكون رده؟
بالطبع سيأتي قوله تعبيراً بسيطاً عن القانون الاجتماعي المسمى بصراع الأجيال وأنه يشكل حلقة في سلسلة لا تنتهي من تشكي الأيام والأحوال والأنباء وضمن هذا السياق أوضح المؤلف نعيسة أن البيئة الجبلية بعناصرها الثقافية والمادية تطبع ردود أولئك الأجداد وأقوال وآراء تشكل فيما بينها لوحة رسمها الزمن ولونها بألوان العتم والأيام السود وكان طعمها أمرّ من المرّ قد تعتصر القلب والعين وسنذكر في مادتنا لهذا اليوم بعضاً من هذه الآراء والكلمات بلسان فلاحين قرويين تجاوزوا التسعين أو كادوا… هذا وقد ذكر المؤلف على لسان بعضهم بأن هذا الجيل هو الجيل الأبجع إذا صرخت به لا يرجع، وإذا نصحته لا يقنع، وإذا أعطيته يطمع، وإذا أطعمته لا يشبع… جيل مضحك لا يعرف الفلاحة ولا التمييز بين الصمد واليز أو بين التين والجوز إلا بالصحون وإذا سمع صياح الديك رفع حاجبيه وفتح فمه وقال: إن في رأس الديك مزماراً..!!.. جيل الدخان فالولد يفطم ويترك رضاعة الحليب ثم يبدأ بالسيجارة، جيل العنكبوت حيث يأكل الولد أهله بلا شفقة ولا رحمة ويعصرهم كالشهد ثم يرميهم على العرزال أو قدام التنور وبيوت الناس، جيل بلا حيل فقد كنا نشتغل بالليل أكثر من النهار ونمشي من الظهر للفجر، ونفلح والفلاحة سفر مخفي وبين فلاحة الرماية كنا نقطع الحطب او أحجاراً من المقلع ونحمل كل شيء على ظهورنا دون أن نتعب… جيل منعنع كانت الأرض بيتنا والتراب عطرنا والشغل همنا أما اليوم فنلقى الشباب قد بودر وجهه وطول شعره ورقق صوته وتعطر.
جيل بواق الخبز فهو ينكر الجميل وينسى المعروف ويميل كشوكة السلبين في تشرين ولا يعرف له أساس من رأس، جيل غيّر ما في نفسه فتغير، جيل ألعن من الشيطان فلا تستطيع أن تخدع ولداً ابن سنة وإذا علقت فيه لا يتركك ولا تقدر أن تخلص منه ولا من لسانه ولا من أحجاره، جيل الآخ فإذا وخزت الإبرة أو الشوكة شاب صرخ وأسعف إلى المشفى وإذا حكّ جلده قامت قيامة أسرته وإذا سعل قالوا إنه مصاب بالسل فهو جيل كثير المرض والعاهات.
ندى كمال سلوم