العدد: 9425
الأحد-15-9-2019
يدخل الطفل إلى بقالية، يبحث بين مأكولات الأطفال المنتشرة فوق طاولة كبيرة بإتقان، يسأل عن قطعة لا يتجاوز سعرها خمسين ليرة سورية يحملها بيده ويلوح بها ويسأل مشيراً إلى قطعة بسكوت: بكم هذه؟
يجيب البائع: مائة.. يتركها ويمسك أخرى، ويسأل..
يكرر العملية دون ملل ويجيب البائع أيضاً دون ملل.. حين يجد ضالته، قطعة بخمسين ليرة فقط، يأخذها ويمضي!
في مكتبة.. يبحث الطفل فيها عن أدواته: دفتر، أرخص دفتر لديك – هكذا يطلب بثقة، وممحاة لكن.. تعجبه تلك اللعبة الجميلة وهي ممحاة لكنها لا تناسب جيبه الضيق ويده الرقيقة، يتنازل قليلاً، ويختار الأقل، فالأقل، حتى يصل إلى ممحاة صغيرة قديمة قدم أبويه وربما جده.
في محل بالة.. يكتب البائع الأسعار على الجدار، أوكازيون، القطعة بـ500، 1000، 1500، ثلاثة خيارات، وعليك أن تبحث عن ضالتك، المحل فارغ من الزبائن، والبضاعة قليلة هي الكاسدة، يقول البائع إنه بعد أن تمت ملاحقة باعة ملابس البالة، قلَت الخيارات وقلَ الراغبون، خاصة وقد انتشر خبر أن البضائع في المحل الواحد يجب ألا يتجاوز وزنها خمسين كيلو، حتى لا تصادر.
في محل لبيع ملابس النوم وسط السوق، يزدحم المكان ولا يتوقف البيع فالوقت للأوكازيون ونسبة التخفيضات من 20 وحتى 50 بالمائة، البيجاما النسائية بـ12 ألف وخمسمائة بعد الحسم، وأقل سعر لقطعة في المحل تصل إلى 8 آلاف ليرة..
من يتفحص البضائع يعرف وبلمس اليد والرؤية الجودة والأناقة والأهم أنها صناعة سورية، البيع مستمر ومتواصل خاصة خلال نهاية الموسم وبداية التخفيضات!
طبعاً لا يمكن لموظف أن يدخل إلى المكان أو يحلم مجرد حلم، إذ أن سعر بيجاما صيفية رقيقة ناعمة تساوي نصف راتبه الشهري أو راتبها…
على الرصيف، يجلس رجل وامرأة بينهما طفل ينام بعمق على الأرض، وسادته كيس من نايلون محشو بـ..؟ يبيعان محارم ورقية، يعرضان بضاعتهما فوق إسفلت الشارع، ينظران بشغف إلى السيارات العابرة وخاصة تلك التي تمشي ببطء..
المارة لا يشترون، هم مندهشون بمشهد غروب الشمس فوق البحر الهادئ، وفرحون بنسمة خجولة تلفح الوجوه اللامعة من عرق يتصبب بقوة…
قد تصاب بإغماء، وقد تبكي حيث تبحث في التفاصيل وتمعن بالوجوه والمشاهد والأماكن، وحدها الحياة تقهقه وهي ترى القلاع التي تصنعها من دم ولحم!
سعاد سليمان