ترشيد الاستهلاك: ركيزة أساسية لإعادة إعمار سوريا

الوحدة – تمام ضاهر

أكد الخبير الاقتصادي ومدير معهد الإدارة بجامعة اللاذقية، الدكتور عبد الله أوبان، في تصريح خاص للوحدة أن تعزيز ثقافة ترشيد الاستهلاك في المجتمع السوري يُعدُّ ضرورة ملحة، وأنها ليست مجرد خيار تكتيكي، بل استراتيجية حيوية لضمان نجاح عملية إعادة البناء والإعمار التي طال انتظارها، وبالتالي تحقيق التنمية المستدامة في البلاد.
وأوضح الدكتور أوبان أن الدول التي نجحت في بناء اقتصاديات قوية اعتمدت على ترشيد الاستهلاك ومكافحة الهدر والفساد كركائز أساسية. واستشهد بتجربة ألمانيا بعد الحرب كمثال، حيث تم تطبيق سياسات اقتصادية تركز على ترشيد الإنفاق وتعظيم القيمة من كل مارك ألماني. كما أشار إلى نجاح اليابان في تحويل اقتصادها رغم شحّ الموارد الطبيعية، من خلال تبني ثقافة “الموتسوناي” التي تعني “لا للهدر”. وذكر أن كوريا الجنوبية أيضاً تمكنت من تحقيق معجزة اقتصادية عبر محاربة الفساد وترشيد الإنفاق الحكومي.
وحول مجالات تطبيق ثقافة الترشيد في الوضع السوري، بيّن الدكتور أوبان أن البداية تكون على المستوى الفردي والأسري، من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المتاحة مثل الكهرباء والمياه والوقود، والحد من الاستهلاك غير الضروري. أما على مستوى المؤسسات، فقد رأى أن على المؤسسات الحكومية والخاصة اعتماد معايير الكفاءة في الإنفاق، وتقليل الهدر في الموارد، وتبني أنظمة إدارة فعالة تركز على الجودة والإنتاجية.
ولفت الدكتور أوبان إلى أن الترشيد على المستوى الوطني يتطلب سياسات واضحة تشجع على الاستثمار في المشاريع المنتجة، عبر مكافحة الفساد بجميع أشكاله، ووضع معايير دقيقة لتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار.
وفيما يتعلق بفوائد ترشيد الاستهلاك على المجتمع السوري، أكد الدكتور أوبان أن ذلك يحقق أقصى استفادة من الموارد المالية الشحيحة، ويسهم في تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، وبناء اقتصاد قوي ومستدام. كما يساهم في توفير فرص عمل من خلال المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتحقيق العدالة الاجتماعية عبر توزيع عادل للموارد.
وأكد ضرورة أن يعزز المجتمع ثقافة الترشيد من خلال خطة متكاملة تشمل حملات توعية واسعة النطاق تستهدف جميع شرائح المجتمع، فضلاً عن إدراج مفاهيم الترشيد في المناهج التعليمية. كما يجب تبني حوافز للمؤسسات والأفراد المتميزين في ترشيد الاستهلاك. وأشار إلى ضرورة سن تشريعات صارمة لمحاربة الفساد والهدر، واستخدام وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي لنشر هذه الثقافة.
ورغم أهمية هذه الإجراءات، أشار الدكتور أوبان إلى أنها لن تكون سهلة، خاصة في ظل الإرث الثقيل من الهدر والفساد الذي خلفه النظام السابق. وأوضح أن سوريا من الدول التي يتجاوز فيها حجم القطاع العام في الاقتصاد مثيله في دول الاتحاد السوفياتي السابق وأوروبا الشرقية، وأن حجم الفساد الموروث جعلها تحتل مرتبة متقدمة (رابعة عالمياً). وشدد على أن نجاح خطة الترشيد يتطلب أن يصبح ترشيد الاستهلاك خطاباً عاماً يتمثل في سلوك الدولة بوزرائها ووزاراتها ومؤسساتها، قبل المطالبة به من الأفراد.
وأشار إلى ضرورة إجراء قطيعة مع ثقافة الاحتفالات الرسمية والهدر ونهب المال العام التي اشتهر بها النظام البائد. من جهة أخرى، أكد ضرورة أن تبتعد هذه الخطة عن المساس بأساسيات حياة المواطن من غذاء وكساء ودواء، وأن تسير بالتوازي مع سياسات تهدف إلى استقرار الأسعار، وتحسين الدخل، ورفع القوة الشرائية لليرة السورية، بالإضافة إلى تأمين فرص عمل جديدة.
وأكد ضرورة تعديل النظام الضريبي وشرائحه ليصبح أكثر عدالة، معتبراً أنه لا يمكن مطالبة الفقراء بالتقشف وهم يتحملون العبء الضريبي الأكبر، في حين أن شريحة الأغنياء قد تتمكن من التهرب أو التجنب الضريبي بفضل الفساد كما كان الحال سابقاً.
واختتم الدكتور أوبان تصريحه قائلاً: إن تعزيز ثقافة الترشيد في المجتمع السوري ليس ترفاً فكرياً، بل ضرورة حتمية لنجاح عملية إعادة الإعمار. فهي استثمار في المستقبل، وضمانة لتحقيق تنمية حقيقية وشاملة، وبناء سوريا جديدة، عنوانها الكفاءة والشفافية، حيث تُستثمر كل ليرة في مكانها الصحيح، وتُبنى كل لبنة بأمانة وإتقان.”

تصفح المزيد..
آخر الأخبار