العدد: 9424
الخميس :12-9-2019
مع هطول أول أمطار شهر أيلول, أو كما يقول القدامى وحسب التوقيت الشرقي القديم أواخر شهر آب, استراحت حبات المطر على أغصان الأشجار، وعلى عشب الطرقات وفي السهل والجبل, حملتها رياح الخير ووزعتها على البيوت والحقول، ونثرتها بين صفوف الأشجار العطشى تمسح عنها الغبار واليباس.
في لحظة صلاة مع الطبيعة وسكينة وهدوء, كنت أرنو إلى الأفق البعيد وفي الجوار, لقد تغيرت الأشياء، وتعددت الألوان، وتبدل الزمن والعلاقات، وغادرتنا مودة اللقاء وصفاء الحديث, واستباحت المكان ظلال الاغتراب، وكان الأمل يضمحل، يكاد يتلاشى, وشيئاً فشيئاً يستحيل إلى تنهيدة من حنين.
إلى الطريق القريبة التي ارتادها الكثيرون غدوة ورواحاً, غدت تضيق اليوم وتحسب الخطوات، في زمن الحرب, تفتح قارورة العطر فيضوع مسك الروح إمَّا مودعة أو قادمة بعد غياب طويل، ومع مجيء المطر ينتشي تراب الطريق وتغتسل الأمكنة.. آخر قطرة من المطر تستريح على وسادة الأرض، وعن حفيف الأوراق تخطف الريح الأغنيات, ويبقى في النفس شيء من الطهارة, مشاهد وصور تسبح في المخيلة وتستعاد, وعلى امتداد الشاطئ تتردد أهزوجة الموج عبر المدى بلا انقطاع مع اصطفاق الصخور, تتناقلها الريح إلى كل الجهات، لتعود محملة ومكلّلة بأخبار انتصارات جنودنا الأبطال على جبهات المعارك ومن مواقع العزّ والبطولة, ولتبقى خضرة الزيتون تتشرّب لحن العتابا والأوف والميجنا وخمرة الليل مع غيم أيلول المحمّل بالخير والعطاء..
بسام نوفل هيفا