كـــيف تصـــبح مثقفــــاً خــــلال خمســــــة عشــــر يومــــاً

العدد: 9424

الخميس :12-9-2019

ليس من باب الدعابة أو السخرية اخترنا عنواننا هذا، وإنما من باب وجع استبد بمفاصل واقعنا المزيف بمثقفين مزيفين، اليوم تطالعنا الكتب كيف تتعلم الانكليزية بخمسة أيام، وكيف تتعلم فنون الطهي بعشرة أيام، لم تكن الثقافة يوماً مادة للطهي أو للتعلم السريع، بل هي عصارة جهد عبر مراحل عمرية مقترنة بسير حياة ومسيرة أمم، هنا اليوم يبرز الوجع الحقيقي ممتزجاً بترهات ثقافية وأخطاء، وتبدأ المنابر عزفها بنشاز قلّ نظيره، ليتربع شاعر اللحظة ومثقف المرحلة القصيرة بسيل عارم من المعلومات الثقافية المغلوطة المليئة بأخطاء قد يتخطاها من هو في أول مراحله العمرية، بحار الثقافة واسعة، وهي ليست حكراً على صغير العمر أو كبيره، فقير الحال أو غنيه، بل زاد يوم يمكن أن نقتنيه بكثير من العقل وقليل من المال، مثقفو العنونات والكلمة الطنانة الرنانة هم من حفظوا بعضاً من صفحات أولى، أو مقدمات ليست لهم، وأتوا محملين بها، ليبرزوا عضلاتهم الثقافية..

من هنا من منبرنا الإعلامي ننتفض محتجين على من لقبوا أنفسهم على صفحات الفيسبوك ومواقع التواصل الاجتماعي وارتدوا لباساً ليس لباسهم لايقيهم من كذب الادعاء والاعتلاء، توقفنا عند بعض آراء الناس لنأخذ القليل منهم من الثقافة علِّ من ادعى الثقافة أن تلقى كلماتنا له آذاناً صاغية، اخترنا أعماراً صغيرة وسألناهم كيف تصبح مثقفاً وكيف تصبحين مثقفة ؟.
د. نايا حسن: كثيراً ما نسمع كلمة (مثقف) فيقال فلان مثقف أو فلانة مثقفة, ومَن مِنّا لا يتمنى أن يكون مثقفاً؟ ولكن أولاً يجب علينا أن نسأل: ما معنى أن يكون الإنسان مثقفاً؟ في الحقيقة هذا الأمر نسبي، فليس هناك تعريف موحد للمثقف, فبعض الناس يعتبر أن الفرد يكون مثقفاً فقط إذا امتلأ حائط مكتبه بالشهادات، والبعض الآخر يرى أن الثقافة لا تقاس بعدد الإجازات والتكريمات التي يتلقاها الشخص، بل بمقدار حب استطلاعه للعلم والمعارف والفنون في المجالات المختلفة، ومن الناس مَن يأخذ مكاناً وسطاً بين هذين التعريفين وهو التعريف الأقرب إلى الصحة برأيي، فيرى أن الثقافة هي (أن تعرف كل شيء عن شيء وشيئاً عن كل شيء) كما قال عالم الأحياء البريطاني توماس هنري هكسلي، باختصار أن تكون مثقفاً هو ليس شهادة ولا صفة ولا معلومة تتعلمها أو قصيدة تحفظها، وإنما هو أسلوب حياة تعيشه حيث تحاول أن تتعلم من كل صغيرة وكبيرة تعيشها في هذه الحياة، وتستقي من المعارف والعلوم والآداب والفنون وتوظف جميع ما تعلمته في حل المشاكل التي تعترض طريقك وطريق مجتمعك في سبيل الهدف الأسمى، وهو تنمية الإنسان وتطوير المجتمعات. وأقول: قم بتطوير مهارات التواصل لديك فهي مهمة جداً وتسهل التعامل مع من حولك الناس, حاول أن تتعلم لغة أخرى غير لغتك الأم، ولعل أفضلها الآن هي اللغة الانكليزية، فعبرها يمكنك أن توسع نطاق بحثك عبر الانترنت، فهي الآن لغة التواصل بين مختلف الشعوب, حاول أن تستفيد من الانترنت بالطريقة الصحيحة، فهو وسيلة مهمة يمكن أن تتعلم الكثير والمنصات التعليمية المفيدة التي تقدم دورات تدريبية في مختلف المجالات و باللغتين العربية والانكليزية, استفد من وقتك الزائد عبر القيام بأعمال تطوعية فهي مفيدة جداً، وفي النهاية لا بد من القول: إن الثقافة ليست فكرة مجردة إنما هي تطبيق عملي على أرض الواقع لكل ما تعلمه المثقف في سبيل النهضة و الارتقاء بالجنس البشري نحو الأفضل.
الصحفية بشرى رجب: صفة المثقف عموماً لا تقال إلا عن الأشخاص الذين لهم باعٌ طويل في القراءة وفي الاطلاع على مختلف أنواع الأدب والسياسة والفنون، أي أنها صفة عظيمة، ولكنها تحتاج لاكتسابها الحصول على الكثير من مهارات اكتساب المعلومة وحفظها لتجنب نسيانها واستحضارها في النقاشات التي تتطلبها، تعميم أن الثقافة مرتبطة بشكل فعليٍّ وجديٍّ بالعمر والمستوى الدراسي والاجتماعي هو مفهوم خاطئ، الحياة أكبر معلمٍ للناس عموماً، التجارب التي يمر بها الإنسان لصقل خبرته ومعرفته بالحياة تستحق ألا يستهان بها، فالقراءة المتواصلة ولو لمدة نصف ساعة يوميآً، التحدث مع الآخرين، السفر والتعرّف على أشخاصٍ جددٍ في الحياة لهم عاداتٌ وثقافاتٌ وطرقِ تفكيرٍ مختلفةٍ، الاستماع للأخبار، تصفح وسائل التواصل الاجتماعي بطريقة صحيحة، والتأكد من مدى صحة المعلومات ومناقشتها مع الآخرين، مشاهدة الأفلام الوثائقية وغيرها من الطرق سوف تصنع لامحالة منا أشخاصاً مثقفين حتماً. أن يكون الشخص مطلعاً على مجالٍ معيّن وخبيراً به لا يصنع منه إنساناً مثقفاً على الإطلاق! فأهم شرط من شروط الثقافة هو التنوع.
أمرٌ آخر هو اللغة لابد للشخص المثقف أن يمتلك عدداً كبيراً من المفردات ويتحدث بلغة سليمة لاتخلو أبداً من المنطق ويبتعد عن الغضب والحدّة في النقاشات وصفة الاستماع للطرف الآخر يجب أن يكون شرطاً لنيل صفة المثقف برأيي، في إحدى الأفلام الأجنبية المفضلة لدي والذي أخذ صدىً واسعاً وحصد جوائز متعددة وكان له تأثير عظيم على تغيير نمط التفكير بمفهوم الشخصية المثقفة هو قصة شاب هندي نشأ في بيئةٍ فقيرة يشارك ببرنامج (من سيربح المليون) ليتفاجأ الجميع من مستوى ثقافته العالي حيث أنه ربح الجائزة الكبرى وتجاوز جميع العقبات مع أنه لم يذهب إلى المدرسة أبداً، لتبدأ مسألة التحقق من أين اكتسب المعلومة وكيف عرف الجواب؟ الهدف هو إثبات أن الإنسان قادر على اكتساب ثقافته من المحيط بشكلٍ مرئي أو مسموع.
علياء إسماعيل: كيف تصبح مثقفاً؟ حسناً يا صديقي، ستبدو الإجابةُ في بداية الأمر صعبة في زمن تحاصرت فيه حدود عقولنا والوطن، وفي زمن أصبح وجود الإنسان فيه قريباً من العدم، ولكن لا تخف يا صديقي وابدأ، الخطوة الثّانية والأخيرة هي التّحرر تحرر من قيود الإحباط والأوهام، لا تقبل العيش في دائرة، بل امضِ بكل شجاعة، وانطلق بأفق الحياة السعيد، عليك أن تقرأ الكتب بنهم، وأن تبحث دوماً عن المعرفة، جميلٌ أن تمسك عقل إنسانٍ آخر بين يديك، وجميلٌ أن تفهم أفكار من يعيشون في الجانب الآخر من العالم، سيبدو متناقضاً وغريباً ولكن لا بأس، ابحث عمّا يفيدك، وحاول الوصول للجمال، فالكون حولنا جميل، والكون بداخلك جميل، اكتب أفكارك، وحدد أولويّاتك وسيبدو رائعاً لو كتبت بلغاتٍ مختلفة، فكل اللّغات جميلة وأجملها لغة العصافير المحملة بالطّاقة الإيجابيّة، تواصل مع الأشخاص من حولك وكن عظيماً في بناء جسور التناغم مع الطبيعة، صديقي.. شعلة الوجود فيك تتّقد لا تسمح لها بالانطفاء، لا أحد يقدر على إلغاء وجودك إلا من جعلك موجوداً، فأمّا أوّل خطوة لتصبح مثقفاً، هي أن تسأل نفسك، كيف أصبح مثقفاً؟.
جولي زوان: بالنسبة لي ومن وجهة نظري الشخصية أنا أصف الثقافة بأنها وقود الفرد، الوقود الذي يمكنه من السير، ليس السير بمعناه الحرفي بل التطور والنجاح والسير الفكري وهو السير الأهم في يومنا هذا لنخطو خطواتنا الأولى في طريق إعادة الإعمار ابتداء من إعمار النفوس ومن ثم الإعمار الكلي، ولنرمم مفهوم الحضارة الفكرية الذي يخترقه شرخ اليوم بالنسبة لمختلف الفئات العمرية، كما أن الثقافة هي محرّك العصر فهي من تصنع فرداً واعياً مفكراً مناقشاً وفاهماً، وأنا بحكم عمري (عمر المراهقة) سأتكلم قليلاً عن الشرخ المؤلم الذي تعاني منه فئتنا العمرية وهو قلة الثقافة بعض الشيء ففي أيامنا هذه من النادر ترى شاباً أو شابة يطالع كتاباً ما، رواية كانت أم دراسة علمية أو فلسفية أو شعراً أو أدباً، بحكم أننا جيل الانترنت والحداثة، فرغم تطور أسلوب الحياة كوجود الانترنت وهو أسهل وسيلة لتصل الفرد بثقافات العالم كلها نلاحظ استمرار تدني المستوى الثقافي بالنسبة لهذه الشريحة وغيرها من الشرائح، فلبناء جيل واع وواعد يجب أن نملأه بالثقافة والتي برأيي أحيانا نراها مفقودة قليلاً ومضمحلة حتى في باقي شرائح المجتمع، كما نلاحظ أن معظم الأفراد يعرفون الثقافة بمفهوم مغلوط، فالبعض من وجهة نظرهم أن الإنسان المثقف هو الإنسان المتعلم وأن الدراسة تكفي لتجعل الإنسان مثقف ولكن الثقافة إضافة إلى التعليم هي الإلمام بمختلف المواضيع الاقتصادية، الاجتماعية، التربوية، السياسية، وغيرها من مختلف المجالات لكي يكون الشخص متحدث ماهر في أي موضوع يطرح للنقاش، ولا يتحقق هذا إلا بالاهتمام والمتابعة والإلمام من خلال قراءة الكتب والقصص والجرائد والمجلات ومتابعة وسائل الإعلام وإغناء ذخيرتنا بالكثير من المصطلحات والكلمات وممارسة أنشطة فنية معينة مثلاً.

نور محمد حاتم

تصفح المزيد..
آخر الأخبار