العدد: 9422
الثلاثاء:10-9-2019
في مفكرة الأيام وتواريخها، تطالعنا معظم النوافذ الحياتية المفتوحة المرئية والمقروءة والمسموعة وتذكرنا بميلاد أديبٍ أو عظيم مبدع في مجالات الحياة المتنوعة، وإن كان للمبدع قيمة وحقٌّ علينا باستذكاره المقرون بالشكر، إن كان من الناحية العلمية التقنية وآثارها الظاهرة على حياتنا من مجمل التطورات التي ننعم بها قياساً بالتواريخ السابقة، وليسبق اسم هذا المبدع دائماً لقب المخترع، وإن كان من الناحية الوجدانية والخطاب الروحي الذي يعانق في مداراته شغاف القلب ويسافر بها بعيداً، وكان له مسمىً لدى جميع الشعوب فيما يعرف بالمفكر أو الأديب.
وكما للطبيعة قانون اصطفائها سيظلُّ هذا قائماً في كل المجالات والتي منها الأدب فمن يحترم العقل الإنساني بحكمته ووجوده أولاً ويلامس شغاف القلوب ثانياً هو من سيظل يطرق الذاكرة الإنسانية كما يطرقها مبدعون آخرون لم يصنفوا أنفسهم بل صنفتهم جماهير بأكملها على مر السنين، لتكون العملية الإبداعية وإن كانت عملية عفوية تلقائية تحاكي إرثاً معرفياً ووجدانياً ولتغدو هي تحول جزءاً من الواقع الاجتماعي وأحياناً واقعاً بأكمله ليس لمجرد انعكاس إنما إلى وعي فردي وجمعي يؤثر آنياً وتراكمياً في التعبير الخطابي.
فالأديب عندما الذي يحمل على صفحات رؤياه تجربة حياتية ويسطر ذاته مع دوائره المحيطة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تكون غايته الأولى هو الإمتاع الوجداني فإن حمل نصّه قيمة مضافة باكتشاف الحياة عبر كتاب أو قصة أو رواية أو شعر ومقالة أو حتى نص قصير وقصير جداً، وامتلأت هذه الرؤى بما يلامس الشغف الإنساني وطبيعته، تتحوّلْ هذه النتاجات الأدبية إلى فائدة تعليمية وتثقيفية بأن معاً وخاصة عندما يكون النص غنياً، يمتلئ بالدلالات ومكثفٌ بالرسائل المعرفية ويحمل إلى القارئ رحلة زمنية يتلقاها في اندماج عقلي يطلق عليها فيما يسمى بالقراءة المبدعة، هذه القراءات التي تميزت وتمايزت زمنياً و جغرافياً ليطلق على الأدب مسمىً يُنسبْ لأرضه أو بلده أو منشئه، كالأدب العربي والأدب الفرنسي والانكليزي والأدب الروسي و ….. إلخ.
حتى أن بعض الأدباء قد يزرعون أقلامهم على أجنحة الخيال ويسافرون بها بعيداً في مدىً من أكوان، تعود تحط في زمان ما… ومكان ما، لتتلاقى هذه النتاجات عبر بعضها في رحاب بيئية أخرى، عبر الترجمات التي قاربت المسافات والتجارب للشعوب وأظهرت التمايز والاختلاف البشري، وظهر ما يسمى وإن تعدّدت التعريفات بالأدب المقارن وكان أول تعريف له تعريف (فان تيجم ) رائد المدرسة الفرنسية، حيث قال إنّ الأدب المقارن هو: «العلم الذي يدرس على نحو خاص آثار الآداب المختلفة في علاقاتها المتبادلة»، ويساعد الأدب المقارن في فهم الشعوب بعضها بعضاً، ويدرس صور الأمم والبلاد الأخرى في عيون زوّارها أو الذين قرؤوا عنها وخاصة في هذه الفترات التي انتشرت فيه وسائل التواصل الاجتماعي وقاربت المسافات أكثر ليكون التواصل الإنساني والأدبي بشكله الأسرع ولتصل الكلمة إلينا في موقعنا قبل وصول أصحابه، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات عن الشكل الأدبي القادم وهيكليته! مع الاعتبار بأن الأدب سيبقى مادامت هذه الروح باقية لأنه صورة الحياة وإطارها ولغتها لقارئ يتطلع إليها دائماً مادام يملأ عينيه نور الصباح وكما قال (وليم هازلت) عن الأدب: (إن أدب أي أمة هو الصورة الصادقة التي تنعكس عليها أفكارها).
فالأدب وعبر أشخاصه وإن كان علاقته مع الذات علاقة عفوية في تركيبتها الأولية إلا أنها وعبر تراكمية عقلية تؤدي إلى توجهات قيادية وخاصة عندما يكون الأدب محملاً بالماضي محللاً للحاضر ومستقرئ للمستقبل.
مازال التاريخ ينبض بأسماء هؤلاء المبدعين، وما زالت الذاكرة تستحضرهم في كل وقت.
سلمى حلوم