الفروج.. من المدجنة إلى المستهلك.. التكاليف ترهق المربين والغلاء يغيّر ثقافة المستهلكين

رقم العدد: 9421

 الاثـنـيـن 9 أيلول 2019

 

بقي الفروج كمادة غذائية الخيار الوحيد أمام المواطن، نظراً لغلاء اللحوم الحمراء والأسماك, وبقائه ضمن القدرة الشرائية لشريحة واسعة من المواطنين الذين تناقص استهلاكهم له بسبب ضيق الحالة المادية. حاولنا في هذا الموضوع رصد المادة من مرحلة الصوص وتربيته في المدجنة، مروراً بحلقات البيع والتنظيف وحتى طاولة المستهلك. معاناة المربين في المداجن، والأمراض التي تصيب الأفواج، وحتى غلاء المستلزمات، إلى بائع الفروج وتراجع مبيعاته، والتحول إلى بيع قطع الفروج، والمستهلك الذي قلت قوته الشرائية فأحجم عن الفروج، لنصل بالنهاية إلى كيفية التحكم بالسوق، وفرض الأسعار وعملية العرض والطلب. في البداية كان لقاؤنا مع الطبيب البيطري علي يوسف الذي يشرف على مجموعة من المداجن في منطقة جبلة، ليطلعنا على أهم الأمراض الي تصيب الأفواج فقال: يعاني مربو الفروج من انتشار عدة أمراض قد تصيب الفروج في مراحل مبكرة، وتكاد تقضي عليه، ولمربّي الساحل معاناة خاصةً تتمثل بالرطوبة الزائدة المسؤولة عن كثير من الأمراض أهمها مرض اللوكسيديا، وهو عبارة عن طفيليات معوية والسموم الفطرية التي تعود لمشاكل علفية، والتي يعد التخلص منها أمر في غاية الصعوبة، والأمراض الفيروسية ومرض النيوكاسل، وهو من أسهل الأمراض التي يتعرض لها الفروج، ومرض البرونشيت وهو مرض فيروسي إذا أصاب المدجنة يؤدي لنفوق عدد كبير من الطيور، ومرض الجمبورد وهو مرض فيروسي كانت السيطرة عليه سهلة لكن الآن هناك عترات جديدة للمرض جعلت اللقاح الموجود حالياً لا يلبي الحاجة وغير مجدٍ، إضافة لعدم فعالية بعض الأدوية، علماً أننا في سورية ننتج تسعين في المئة من الأدوية البيطرية الخاصة بتربية الدواجن. وحول المفهوم الشائع بخصوص إعطاء الصوص مادة الهرمون حتى يكبر بسرعة قياسية أجاب الدكتور: هذا المفهوم خاطئ جداً، وغير صحيح لعدة أسباب، أهمها غلاء مادة الهرمون، وكون الصوص ليس بحاجة للهرمون حيث أن نموه السريع عائد لطريقة التحضين وغنى المادة العلفية الغنية بالبروتين والأملاح والأحماض والطاقة، إضافة لتوفر سلالات وأنسال جيدة قابلة للنمو بسرعة، كذلك توفير الشروط الصحية والطبيعية الملائمة، وهذه العوامل مجتمعة كفيلة بجعل الصوص يتحول لفروج يزن من 2 إلى 3 كغ خلال أربعين يوماً.
منافسة غير عادلة
ولمعرفة آراء المربين والوقوف على مشاكلهم تحدثنا مع ظافر (صاحب مدجنة) في بيت عانا فقال: لدي مدجنة كبيرة ومرخصة، وأكثر ما أعاني منه هو عوامل الطبيعة والمناخ والرطوبة وبالتالي الأمراض والجوائح فنلجأ للأدوية واللقاحات، وأحياناً تكون الجائحة أقوى من اللقاحات، كذلك الإسهالات والرشح، وهذه يمكن السيطرة عليها بالأدوية، نحن أصحاب المداجن المرخصة نعاني من الانتشار الواسع للمربين الصغار، فأنا مدجنتي مرخصة ونظامية وأدفع رسوماً ومسقفات وضرائب مالية وكهرباء تجارية بأعلى الأسعار في حين تجد المربي الصغير ولو امتلك غرفتين بإمكانه تربية من 700 إلى 1500 صوص، وطبعاً بلا ضرائب وفواتير أو رسوم، هؤلاء يضاربون علينا، وحتى لو خسروا لا يتأثرون مثلنا، إذا خسرنا تكون خسارتنا كبيرة فنضطر أحياناً للخروج من سوق العمل. المربي علاء عون قال: تواجهنا صعوبات في عملنا من كل ناحية، كل شيء غالٍ من العلف إلى الأدوية وأجور النقل حتى الصوص غالٍ، والارتفاع اليومي للأسعار يؤثر كثيراً علينا، ليأتي التسويق والبيع وتكتمل المشكلة المتمثلة بتلاعب التجار والتحكم برقابنا وفرض أسعارهم التي يريدونها متحكمين بالسوق وبمصدر عيشنا. المربي رامي حماد: أكثر ما يحكمنا هو التاجر وكيفية فرض شروطه، وخاصة عند وجود مرض،


واضطرار أصحاب المداجن لذبح الطيور، ناهيك عن الارتفاع اليومي لأسعار المستلزمات كافة من العلف إلى الأدوية، حيث يعمد التاجر إلى كسر الأسعار بالطريقة التي تناسبه بغض النظر عن مصلحة المربي إن خسر أو ربح حيث لا يهم التاجر وهو المتحكم الأول والأخير بالسعر. ومربٍ آخر قال: نحن أمورنا جيدة إلى حد ما، ولكن ارتفاع الأسعار بشكل يومي لجميع المستلزمات كالعلف والأدوية وما هنالك وأجور النقل وأجور المحل والعمال والفواتير كله يؤثر على الأسعار. هذا فيما يتعلق بالإنتاج وتربية الفروج، أما ما يتعلق بالحلقة الثانية وهي المتعلقة بالبيع فقصدنا ولمعرفة رأيها بالأمر عدة باعة من مختلف أحياء مدينة جبلة للتحقق من فوارق الأسعار صعوداً ونزولاً، ففي كراج جبلة الجديد قال أحد أصحاب محلات الفروج: نحن لدينا مدجنة، ونبيع بنفس الوقت، أعاني من ارتفاع بدل إيجار المحل (مئة ألف) ونقص العمال وارتفاع أجورهم، حيث تبقى مسألة تعويض الخسارة في أجرة تنظيف الفروج كوني أبيع كمية كبيرة لأن محلي واسع وكبير وبمكان مميز ونعمل من الصباح للمساء، أحياناً تحدث مضاربات بين الباعة أنفسهم وهي تسيء للجميع، كما ونعاني من وجود محلات تبيع بأقل مما اشترت الفروج وبالتالي فهي تتلاعب بالوزن، فكيف لتاجر يشتري ب 550 ليرة ويبيع ب 525 ليرة، هؤلاء يتلاعبون بالوزن، لذلك يجب ألا ينجرّ المواطن إلى المحلات التي تبيع بأسعار مخفضة عن الآخرين، فيكون انخفاض السعر على حساب الوزن، لذلك هؤلاء يجب مراقبتهم من قبل التموين ومخالفتهم، وقد لاحظنا مؤخراً إقبال الناس على الشراء بالقطعة وهذا مؤشر على تراجع الاستهلاك. بائع فروج في ضاحية الأسد قال: تراجعت مبيعاتنا هذا الشهر بحكم انشغال الأهالي بالمؤونة ولوازم المدرسة، وانتهاء عطلة الصيف، وبداية المدارس، وقلة خروج الناس للمشاوير والنزهات، وبالنسبة لتذبذب الأسعار واختلافها من بائع لبائع يعود للموزعين، وأحياناً كثيرة بسبب الطمع وبعض البائعين يبيعون بأقل من السعر المعتمد بقصد المضاربة، وكثرت بالفترة الأخيرة طلبات الزبائن للفروج كأجزاء كذلك هناك من يتحكم بأسعار الفروج وعلى مستوى واسع. بائع آخر في الجبيبات الغربية قال: هذا الشهر حركة البيع متدنية جداً، وكل يوم يرتفع السعر، وخلال هذا الأسبوع ازداد نحو مائة وخمسين ليرة وعملية العرض والطلب تلعب دوراً بعملنا وأتوقع أن ترتفع الأسعار أكثر في الفترة المقبلة خصوصاً في الشتاء وما يتعلق باستخدام التدفئة بالكهرباء أو المازوت.
وللمستهلك رأي
وفي المحطة الأخيرة من رحلة الفروج بقي أن نستطلع آراء المستهلكين وتأثرهم بالأسعار والحالة الاقتصادية لهم، السيدة أم أحمد قالت: تراجع استهلاكنا لمادة الفروج وصرت أشتري بالقطعة حسب حاجتي اليومية للطبخ بعد أن كان استهلاكنا شهرياً من 6 إلى 7 فراريج، تراجعت من 2 إلى 3 فراريج أي النصف وذلك بسبب الحالة المادية. السيدة رجاء قالت: لم يبق أمامنا سوى الفروج لأن لحم الخروف والسمك بات حلمنا فنعوض بالفروج وأسرتي تحبه لذلك بقي استهلاكنا على ما هو عليه. من خلال هذا الاستطلاع نرى أن اختناق الحالة المادية وضعف القوة الشرائية وغلاء مستلزمات تربية الدواجن وارتفاع سعر المحروقات والنقل، كل هذه العوامل مجتمعة خيمت على وجبة غذائية محببة لدى الجميع حتى كادت تجعلها حلماً لهم كما غيرها من الوجبات اللذيذة كاللحم الأحمر والسمك.

آمنة يوسف

تصفح المزيد..
آخر الأخبار