العدد: 9289
11-2-2019
عندما نسعى للتّأمُّل لا بدّ لنا مِنْ متّسعٍ للوقت ومتَّسعٍ للفكر وقبل هذين الأمرين لابدّ لنا مِنْ متّسعٍ للحُبِّ في القلب، ذاك الحُبّ الذي لا يكون إلاّ لغاية الحُبّ بذاته ولذاته أيْ الحُبّ بالحُبّ ولأجل الحُبّ، بعيداً عن النّفعيّة الفرديّة التي لا تعني إلاّ الأنانيّة التي تقضي على العلاقة الإنسانيّة ببعُدها الإنسانيّ والخَلـْق الإلهي والغاية من هذا الخَلـْق.
ولعلّ سائلاً يسأل: كيف يكون الحُبّ بالحُبّ وللحُبّ بذاته ولذاته؟ ونقول: إنّه الحُبُّ للكلّ أيْ حُبّ الكلّ بالكلّ للكلّ فحبّنا للطّبيعة وما فيها مِن كائنات ماديّة كالأشجار والصّخور والجبال أو حيّة كالحيوانات يأخذنا إلى أبعد من حُبّنا للجنس البشريّ .
أيْ أنّه علينا أنْ نُحبَّ الوجود بموجوده ووجوده وعلينا أنْ نجدَ أسباب هذا الحُبّ ولن يكون هذا إلاّ عبر التّأمُّل الذي يأخذنا إلى سبر أغوار الحياة وما فيها مِنْ ظواهر وأسرار لنُدركَ أنّ السّطحيّة في العلاقات بين بني البشر وموجودات الطّبيعة ليست قائمة على المحاكاة الكلاميّة وحَسب، بمقدار ما هي قائمة على أنسنة الموجودات بكليتها، أيْ أنّه علينا أنْ نَخرُجَ مِنْ داخلنا عبر وعينا لداخلنا ونُترجمَ هذا الوعيَ عبر الفعل السّلوكيّ العمليّ الذي يأخذنا إلى أعماقنا الغائرة فينا لنُخرِجَ كنوزَها الدّفينة والتي غالباً ما تكون قريبة لكنّها تحتاج إلى إظهار وإعلان عبر فعلٍ ما، أو كلمة ما، لأنّ الوعي الدّاخليّ وما يُرافقه مِنْ إدراك مَعْرفيّ لابدّ سينعكس على سلوكنا الخارجيّ وعلى تصرّفاتنا التي ترتبط بالآخرين وتربطنا بهم ربطاً وارتباطاً وثيقاً وهذا ما يعود علينا بعلاقات وثيقة ومُؤسّسة على أساس الحُبّ والحياة.
حياتنا مبنيّة على علاقاتنا، وأيّ علاقة هي علاقة الفرد بذاته، وهنا يأتي دور التّأمّل الذي يجعلنا قادرين على إدراك المعنى للوجود الموجود القائم على إيجاد أسباب الحياة.
وعندما نُدركُ مَنْ نحن ليس بالإحساس بذواتنا فقط بل بوعينا لذواتنا، سنصبح قادرين على أنْ نكون معانقين النّجوم، وذلك عبر الثّلاثيّة الحقيقيّة التي تجعلنا ما نُريد وما يُريد لنا الآخر أنْ نكون في هذا الكون المكوَّن بنا وبهم هذه الثّلاثيّة (التّأمل .. الحبّ والحياة).
نعيم ميّا