العدد: 9419
الخميس : 5-9-2019
أفتح نافذتي على صبحٍ خريفيٍّ حنون، فتباغتني نسماتٌ عطرةٌ آتيةٌ من عبق أيلول الزاحف خلسةً من خلف سرابٍ بعيد، أيلول الحامل بجعبته أمانٍ وحكايا ومواعيد وأحلام للمحترقين بنار الفراق المرير والشاردين على دروب الانتظار .
* * *
في غمرةٍ من حنين وصفاء اجتاحت ذاكرتي صور الماضي، طالما أبكتني حتى الثمالة وأحرقت أجفاني وشرَدتني على عتبات السهد والحيرة، صورٌ ترتعش لها ضلوعي كلما داهمني الحنين بغتةً.
* * *
رحيلك كان هادئاً وحزيناً، بكت لأجلك غمامةٌ شاردة في كبد السماء وتساقطت الأوراق آنذاك بكثرة لحظة الوداع الأخير، وغنّت الطيور أغاني ملونة بالأسى وبكى خافقي الصغير وجع الفراق المرير.
* * *
أرشف قهوتي وقطرات دمعٍ هاربةً من مقلتي الجريحة تسقط في دائرة الفنجان وأحزان نفسي تصفر في مدىً مقفر، ذكريات رافقت مسيرة عمري الخائب وسلبتني طفولتي البريئة.
* * *
وتحت سنديانةٍ هرمةٍ غطّت الأوراق المصفرّة بقايا قبرٍ حزينٍ مثلي وكئيبٍ كزمني، مازال رغم قهر السنين شامخاً كتلك السنديانة لم تنل منه ريح.
وعند حافّة القبر نمت ياسمينةٌ أرخت بثقلها وعطرها على طهر ترابه، وثمَة باقة ريحان يابسة مزروعة وسطه مضى عليها وقتٌ طويل .
* * *
أغلق نافذة الصباح وأطوي صفحة من صفحات خريفٍ ثقيل الظل، مثقلاً بهموم وآمال لا حدود لها وذكريات تقضُّ مضجعي وتزيد الروح ضياعاً، أتنهد بسكينة عارمة مصغياً لخفقات قلبي الخائرة، منتظراً ما يخبئه قطار العمر من أسرار.
حيان محمد الحسن