العدد: 9418
الأربعـــاء 4 أيلول 2019
وأنا في الطريق إلى المخيم الترفيهي لأبناء الشهداء ولجرحى الجيش العربي السوري راودتني أسئلة، صحيح إنها كلها عن أحوالهم وأجواء المخيم وهل في بيت ياشوط بنية تمكن من إقامته بالرغم أنني على معرفة جيدة بموقع المخيم! كيف سأقابل الجرحى؟
بالأمس القريب كنا معهم على خطوط النار على جبهات عدة وعلى امتداد مساحات الوطن، نعم سقط العديد من الشهداء الذين ارتقوا إلى مرتبة القداسة وأيضاً أصيب العديد من الجرحى فكانت الجراح أجنحة تحلق بأصحابها إلى السماء الذين يشاهدون دماءهم وهي تروي التراب المقدس لتزيده طهارة على طهارته.
أبناء الشهداء (بقية القديسين) أتمنى أن تسعفني اللغة على رحابتها لأقول لكم: آباؤكم لم يقدموا أرواحهم من أجلكم وحدكم وإنما من أجل وطن بكامله أنتم بقيتم على الأرض ونحن الأحياء الآن ونعرف ما علينا نحوكم ومهما بلغ نحن مقصرون.
خسارتكم لآبائكم لا تعوض لكنها مشيئة السماء التي اصطفتهم مطهرين عند ربهم عليهم الرحمة.
وصلنا المخيم الترفيهي حوالي التاسعة ليلاً، وللعلم المنطقة وعلى أهميتها لنواح عديدة غير مخدمة بما تستحق فالخدمات كل على حسابه تفاجأت بقيام الجهة المستضيفة للمخيم بتوفير كل هذه الخدمات إلى المستوى الجيد، وفرة الماء، وفرة الكهرباء، وفرة أسرة النوم، المطبخ والخدمات الأخرى التي تتناسب وحاجة المستضافين حسب ظروفهم الصحية، صحيح أن الموقع جميل وحضاري بكل ما فيه لكنه احتاج إلى إعادة تأهيل وبهذه المناسبة لابد من توجيه الشكر لبلدية بيت ياشوط التي جندت إمكاناتها إلى جانب الداعمين، كي يكون هذا المخيم بالمستوى الذي يستحقه المستضافون وهنا لابد من شكر فرقة أبناء المجد في بيت ياشوط وأيضاً الشكر لجمعية أبناء النصر في مصياف صاحبة الخبرة حيث تضافرت الجهود للوصول إلى النجاح المستهدف.
تضافرت جهود كل الأطراف في سبيل هذا الهدف، ومن باب اللياقة أن تدخل البيوت من أبوابها كان الدخول إلى الصالة الرئيسية للسلام على المشرفين المجندين لخدمة الضيوف والسهر على راحتهم وبعد السلام كان السؤال كيف حال ضيوفنا أحدهم أجاب مشيراً بيده: الإخوة هنا بعض الضيوف استطلع حالهم نظرت إلى وجهين ينطقان بالبهجة وما تصورت أنهم من الجرحى لم ينتظرا سؤالاً وكان الجواب: الحمد لله نحن سعداء اليوم، ما شهدناه اليوم لم نألفه من قبل، اليوم شعرنا بأننا في صلب حياة الوطن جئنا معززين مكرمين نمارس حياتنا ونشعر أننا عدنا إلى أيام العافية ونحن تغرنا الكلمة الطيبة والابتسامات العاكسة للقلوب النقية تضمد جراحنا وتشعرنا أننا موجودون تحت ضوء التقدير وأضاف: الإصابات قدر وقدرنا أن نكون (الجرحى) في سبيل الوطن وهنا لابد وأن نتذكر بكل التقدير من سبقنا إلى ديار الحق حيث اصطفاهم الله شهداء أبراراً أحياءً عند ربهم يرزقون.
وأضافوا: هل تتساءلون بينكم وبين أنفسكم ما الذي يريده الجريح بشكل عام؟
حسن أنا أجيب باسم الجرحى: نريد أن نكون مشابهين لكم مع اعترافنا أن وضعنا الجسدي بات مختلفاً لكن يطيب لنا أن تشعرونا بأننا لازلنا بينكم بكامل حضورنا المعنوي نتبادل معكم السلام والكلام نتبادل الهموم ونتبادل كل ما يمكن أن يسعدكم ويسعد الوطن.
اليوم ومن خلال إقامتنا في هذا المعسكر نعتبر أن الحياة وإن كانت مؤقتة فيه هي مستمرة وفيها فسحات أمل والأمل قرأناه في وجوه المستضيفين الذين كانوا بمثابة الأهل المكلفين شرعاً للعناية بنا، أما الأطفال أبناء الشهداء فليس أدل على سعادتهم أكثر من اللعب، نعم لقد تحرروا من الجدران في طبيعة خلابة تحت الظلال الوارفة التي تميز منشأة الشيباني (موقع المخيم) ولعبوا في الساحات وعلى التراسات المتدرجة صعوداً، سألنا بعض الأطفال كيف الأحوال فتعددت الإجابات ما بين يا ليتنا نبقى هنا نلعب حتى التعب ومن ثم نأكل طعاماً شهياً ونشرب ونعود إلى اللعب نحن وجرحى الجيش عائلة نرى وجوه آبائنا في ملامحهم نحن نحبهم جداً سعداء وهذه الأيام لم نعشها من قبل هنا لا خوف من شارع ولا أوامر هنا كله فرح وسعادة (كتير حلوة العيشة هون) العناية بنا من قبل المشرفين هي عناية أهل عناية أب وأم،
شكراً لمن استضافنا، شكراً للاهتمام الكبير سنذكر هذه الأيام بالكثير من السعادة على أمل أن تعاد أيام المخيم، ماكنا نتوقع أن نشاهد ما شاهدناه ولا عناية كالتي حظينا بها.
أيام لا تنسى الأمهات والمرافقين للأطفال والجرحى قالوا: هي من أكثر اللحظات التي عشناها سعادة بعد الفقد والإصابات نتوجه بكل الشكر للجهة المستضيفة لكثير الاهتمام الذي وجدناه، نحمد الله على ما أصابنا ونحمد الله على مانحن فيه ونثق أن وطناً فيه كل هؤلاء الخيرين يستحق التضحية في سبيله، وأن وطننا يتغنى بتضحيات جيشه ويعتز بها ويهتم بأسرهم وأبنائهم جدير بالحياة، وأن وطناً لديه حكيم يقوده لابد سينتصر في كل المواجهات مواجهة الإرهاب ومواجهة العدوان ومواجهة إعادة البناء بناء النفوس على أساس وحدة الدم السوري التي انتصرت على كل أعداء الوطن الخارجيين وعلى أذنابهم في الداخل، وإعادة الإعمار بما يليق بسورية الواحدة وشعبها الواحد.
علي الشيباني