الوحدة – د. رفيف هلال
بين ضربة فرشاة تحمل حميمية الذات، ورمز يستحضر روح التراث، ترسم التشكيلية رنا عثمان عوالمها الفنية كجسر ممتد بين الواقع والمخيلة، في أعمالها يتجاور الحلم مع الجذور الثقافية، والألوان مع العاطفة، والخطوط مع نبض الداخل، لتولد لوحات تنطق بما هو أبعد من الكلمات، في حديثها، تكشف عثمان عن رؤيتها للفن كوسيلة للتعبير الإنساني والاجتماعي، وكيف يتشكل مشروعها القادم ليكون مساحة للحوار بين الماضي والحاضر، بين البحر والذاكرة، وبين الواقع والخيال.
تقول عثمان: إن الفن بالنسبة لها هو الجسر بين داخلها وواقعها، فالمخيلة تمنحها القدرة على توسيع حدود الواقع، بينما يمدها الواقع بالجذور والمرجعيات، كثيراً ما تبدأ بفكرة واقعية، لكنها سرعان ما تتخذ طابعاً حلمياً، لتتحول اللوحة إلى قصة خاصة بها، بعيدة عن حدود المنطق المباشر.
وعن الألوان والرموز في أعمالها، تؤكد أنها تختار الألوان بعناية لتعكس الحالة العاطفية والجو العام للعمل، فالألوان توجه المشاعر وتمنح اللوحة طابعها الخاص، أما الرموز، فتتكرر أحياناً بشكل طبيعي باعتبارها جزءاً من أسلوبها الفني المتطور، إذ تعبّر عن أفكارها الداخلية وتترك هامشاً من الغموض للمشاريع المستقبلية.
وتضيف أن البيئة المحلية تشكل مصدر إلهام أساسي لها، من الطبيعة إلى الرموز الثقافية القديمة، فهي تسعى إلى نقل روح الساحل السوري وما يحمله من تاريخ وثقافة إلى أعمالها القادمة، مع دمج عناصر حديثة تجعل اللوحة حية ومتجددة.
وعن لحظة الوقوف أمام اللوحة، تشير إلى أن عملها يتأرجح بين التخطيط المسبق والتطور التلقائي، فهي أحياناً تبدأ بفكرة واضحة تتبدل مع كل ضربة فرشاة، وأحياناً أخرى تترك اللوحة لتكتب نفسها بنفسها، وكأنها كائن ينمو ببطء ليكشف عن ذاته.
وترى عثمان أن للفن التشكيلي اليوم قدرة كبيرة على توصيل الرسائل الإنسانية والاجتماعية، إذ تتجاوز اللوحة حدود الكلمات لتثير التساؤل، وتحفّز التفكير، وتؤثر في المشاعر بشكل مباشر، مما يجعلها وسيلة قوية للتعبير عن هموم الإنسان وأحلامه.
وبشأن الخطوط ودلالتها، تقول: إن الخطوط بالنسبة لها تعكس نبضاً داخلياً، فهي حين تتشابك وتعقد تعبر عن الصراع، وحين تنساب بحرية توحي بالتحرر والسكينة، تعتبرها لغة صامتة لكنها شديدة القوة، قادرة على نقل المشاعر بعمق أكبر من أي كلمات.
أما عن مشروعها المستقبلي، فتطمح إلى إقامة معرض شامل يدمج رموز التراث الساحلي السوري برؤية حديثة، ليكون مساحة للحوار بين الماضي والحاضر، وبين الواقع والخيال، وترى أن هذا المعرض يجب ألا يقتصر على كونه عرضاً فنياً، بل تجربة تفاعلية تجعل المشاهد يشعر بأنه جزء من القصة، تاركاً في ذاكرته أثراً ممتداً.


