بين الجذر والامتداد.. دراسة لغوية في ألفاظ الزمن “يوم، شهر، سنة، عام”

الوحدة – د. رفيف هلال

من أبرز الألفاظ التي حملت دلالات الزمن في العربية: يوم، شهر، سنة، عام. هذه الكلمات لم تُنشأ اعتباطاً، بل امتدت من أصول راسخة في نظام الجذور، حيث يظهر المعنى الكلي مشتركاً في جميع الفروع.

الجذر (ي و م) يرى أهل اللغة أن مادة يوم أصلها يدل على مدة محدودة من الزمن. ابن فارس يقرر أن “الياء والواو والميم أصل واحد يدل على امتداد وقت معلوم”. الفروع: اليوم: ما بين طلوع الشمس إلى غروبها، ثم توسع ليشمل النهار مع الليل. أيام: جمعها، وتأتي للدلالة على الوقائع والأحداث (أيام العرب معاركهم). اليوم الآخر: نقل المعنى من الحسي إلى العقائدي، أي الزمن الممتد إلى نهاية الحياة. إذن المعنى الأصلي: الزمن المحصور المحدد، ومنه سائر التفرعات.

الجذر (ش ه ر) الأصل في “شهر” من مادة تدل على الظهور والبيان. يقال: شَهَرَ السيف أي أبرزه، والشَّهرة وضوح الذكر. ومن هذا المعنى جاء الشهر في الزمن: إذ القمر يَشْهَرُ أي يظهر ويكتمل ثم يختفي في دورة زمنية. الفروع: إشهار: إعلان وإظهار. مشهور: واضح بيّن. فالمعنى الأصلي: الإظهار والوضوح، وانتقل إلى الزمن عبر ظهور القمر الدوري.

الجذر (س ن و) مادة س ن و/س ن ه في أصلها تدل على الارتفاع والعودة والدوران. من معانيها: السَّنْو وهو العلو، والسَّنَة الدهر. ابن فارس يربط بين السَّنَة وبين “السَّنَة من الجدب”، لأن مرورها يعود بالناس إلى حال جديدة. الفروع: السن: الأسنان منبثقة في العلو. التسنّي: التقدّم في العمر. فالمعنى الأصلي: التكرار والعود مع أثر ظاهر، ومنه سُمّيت السنة لدورتها التي تعود على الناس بخير أو جدب.

الجذر (ع و م) مادة عام أصلها يدل على العموم والاشتمال. ابن فارس يقول: العين والواو والميم أصل واحد يدل على الامتداد والانبساط. من ذلك: العَوْم السباحة، لأن السابح يعمّ الماء بجسده. ومنه العام: الزمن الذي يشمل الفصول كلها (على خلاف “السنة” التي قد تختص بالجدب أو الرخاء). الفروع: العموم: الشمول. العامة: الجماعة الكثيرة. فالأصل: الاشتمال والامتداد، ومنه جاء إطلاق “عام” على دورة زمنية كاملة تشمل وجوه الزمن.

المقارنة الدلالية

 اليوم: وحدة زمنية صغيرة، أساسها التحديد. الشهر: انتقال من التحديد إلى الإظهار، مرتبط بدورة القمر. السنة: انتقال إلى الدورة الكبرى التي تعود بالناس على حال، مع أثر ظاهر. العام: زمن شامل ممتد، يُنظر إليه من زاوية العموم والاشتمال.

نخلص إلى أن ألفاظ الزمن الأربعة في العربية لم تُستعمل جزافاً، وإنما جاءت من جذور ذات دلالات أصيلة: اليوم من التحديد، الشهر من الإظهار، السنة من التكرار والعود، العام من العموم والشمول. وهذا التدرج يُظهر دقة العربية في ربط البنية الجذرية بالمعنى، حيث تَسلسَلَت الوحدات الزمنية من الأصغر إلى الأكبر في نسق دلالي بديع.

تصفح المزيد..
آخر الأخبار