الوحدة- هنادي عيسى
في أعقاب الحرائق المتكررة التي تلتهم غابات اللاذقية، تتجه الأنظار نحو الخسائر البشرية والمادية، بينما تبقى كارثة أخرى صامتة تتمثل في نفوق أعداد هائلة من الحيوانات البرية وتدمير موائلها الطبيعية. في حوار خاص للوحدة، يكشف الدكتور ماهر ديوب، عضو الجمعية السورية لحماية الحياة البرية والمدرس في المعهد العربي التقني للزراعة والموارد والبيئة عن حجم المأساة البيئية والتحديات التي تواجه التنوع الحيوي في سورية.

تنوع يفوق التوقع.. وإحصاءات غائبة عن الضحايا:
أكد ديوب أن غابات اللاذقية تمتلك تنوعاً حيوياً مميزاً، يضم أكثر من 30 نوعاً من الثدييات، و25 نوعاً من الزواحف والبرمائيات، وأكثر من مائة نوع من الطيور تشكل ربع أنواع الطيور المسجلة في سورية. ومع ذلك، أشار إلى غياب إحصاءات رسمية أو دقيقة لأعداد الحيوانات النافقة بسبب الحرائق، حيث أن الجهود تُركّز تقليدياً على إحصاء أضرار المزارع والغطاء النباتي، بينما يتم إهمال إجراء مسوحات ميدانية متخصصة للحياة البرية بعد الكوارث
أنواع على حافة الانقراض وخسائر لا تعوّض:
على الرغم من صعوبة الحصر، سلط ديوب الضوء على الخطر الداهم الذي يهدد التنوع الحيوي في سورية بشكل عام، موضحاً أن (11) نوعاً من الثدييات مهدد بالانقراض، فيما انقرض بالفعل كل من الدب البني السوري والنمر السوري، بالإضافة إلى (19) نوعاً من الطيور مهدد على الصعيد العالمي، يصادف وجود 12 منها في شمال اللاذقية.
مع وجود (5) أنواع من الزواحف مهددة مثل السلحفاة الإفريقية والحرباء، بسبب التجارة المفرطة.
بطيئو الحركة يدفعون الثمن:
أوضح ديوب أن أكثر الكائنات تضرراً من الحرائق هي الحيوانات بطيئة الحركة والتي تعيش في جحور أرضية، مثل الزواحف والبرمائيات والقوارض، التي تموت محاصرة في أوكارها.
صغار الحيوانات وفراخ الطيور خاصة إذا تزامنت الحرائق مع مواسم التكاثر حتى الطيور القادرة على الطيران تواجه خطرًا كبيرًا يتمثل في فقدان موائلها ومصادر غذائها ، مما يدفعها للهجرة ويعرّضها للصيد غير القانوني.
هروب وموت.. واستراتيجيات بقاء مذهلة:
تختلف استجابة الحيوانات للحرائق حسب قدراتها. بينما تهرب الطيور والثدييات الكبيرة مثل الغزلان والذئاب، تموت الكثير من الزواحف والقوارض عالقة. لكن بعض الكائنات طورت استراتيجيات تكيف مذهلة للنجاة، مثل: الحفر تحت الأرض للاختباء من الحرارة ـ الهروب السريع نحو مناطق آمنة أو اللجوء إلى المجاري المائية.
التكيف البيولوجي مثل امتلاك ريش أو هياكل خارجية مقاومة للحرارة، أو القدرة على الاعتماد على مصادر غذائية بديلة بعد الحريق.
الدروس المستفادة من الاستجابة إلى المنع:
أكد ديوب أن الدروس المستفادة من الكوارث السابقة تحتم التحول من منطق الإطفاء إلى منطق الإدارة الاستباقية للغابات من خلال إدارة الغابات بإزالة المواد القابلة للاشتعال وتقليم الأشجار البنية التحتية، إنشاء ممرات آمنة للحيوانات للهروب، وتجنب إنشاء حواجز تحاصرها، الرصد المبكر باستخدام الطائرات المسيرة (الدرون) والأقمار الاصطناعية لاكتشاف الحرائق في بدايتها، زيادة الوعي المجتمعي كون معظم الحرائق سببها بشري، حماية الموارد المائية الحيوية للإطفاء ولبقاء الحيوانات الناجية.
معاناة إضافية:
لا تنتهي معاناة الحيوانات التي تنجو من النيران، بل تواجه خطراً جديداً يتمثل في فقدان المأوى والغذاء والماء وزيادة خطر الافتراس، بالإضافة لانكشاف الغطاء النباتي ومشاكل صحية خطيرة كاستنشاق الدخان والرماد، الذي يسبب التهابات رئوية حادة ومشاكل في العين قد تصل إلى العمى، خاصة للصغار.
غياب مراكز الإنقاذ يعمق المأساة:
اختتم الدكتور ديوب بالتشديد على الدور الحيوي للمحميات الطبيعية كملاذ آمن وبنك وراثي للأنواع، لكنه ألقى الضوء على مأساة أخرى، وهي الافتقار الشديد لمراكز إنقاذ وإعادة تأهيل الحياة البرية في سورية، مما يحرم الحيوانات المصابة من الرعاية الطبية الطارئة وإعادة التأهيل التي تمنحها فرصة ثانية للعودة إلى البرية.
هذه الصورة القاتمة تدفع إلى ضرورة اعتبار إنشاء مثل هذه المراكز وإدراج مسح الحياة البرية في خطط الطوارئ أولوية وطنية، لحماية ما تبقى من إرث طبيعي ثمين هو الأكثر عرضة للخطر والأقل حظًاً في الصراع من أجل البقاء.